Advertise here

الكبار لا يرحلون!

22 شباط 2019 20:10:11

بقلم المحامي باسل عصام أبو زكي

أبي الحبيب،
أيّها الضابط الوطني الكبير،
سنةٌ مضت على رحيلك. 
نفتقدك، ويفتقدك أهلك ومحبّوك ـ وما أكثرهم ـ ويفتقدك الوطن، كلّ الوطن.
نستذكرك في كلّ حين. نستذكر قوّة إيمانك، ونبل أخلاقك؛ نستذكر ذكاؤك المتوقّد، ورؤيتك الثّاقبة، وإقدامك، وشجاعتك، وعنفوانك، وثباتك وعزمك الذي لا يلين. نستذكر محبّتك الصّادقة للناس، وقدرتك على تلمّس همومهم، وإندفاعك لخدمة الجميع ممن كانوا يأتونك ويناشدونك. 
أبي الحبيب،
إشتقنا إليك.
سنةٌ مضت وتبقى الحاضر الأكبر بيننا. 
غادرت تاركاً لنا إرثاً كبيراً، غنيّاً بالمواقف والبطولات، نعتزّ به ونفتخر.

ثمانية وثلاثون عاماً خدمت فيها الدّولة اللبنانيّة بشرفٍ ووفاء في حقبةٍ سوداء صاخبة ودمويّة من تاريخ لبنان الحديث – من قيادة مدينة طرابلس، حيث تمكّنت عام 1974 من القضاء على معقل العصابات المتمرّدة في أسواق المدينة الداخليّة، فجعلتها رمزاً لقيامة الدولة، ولعودة السّلطة إلى مدينةٍ غابت السّلطة عنها؛ مروراً بقيادة شرطة بيروت وسريّة الطوارئ (الفرقة 16) أيّام الإجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 وتصدّيك في ثكنة الحلو للدبّابات الإسرائيليّة، فكانت الثّكنة العسكريّة الوحيدة التي منعت الإسرائيليين من دخولها؛ و وصولاً إلى قيادة الشرطة القضائيّة عام 1984 وحملات مكافحة المخدّرات التي نلت من أجلها أرفع الأوسمة الوطنية والدّولية. 

مسيرةٌ حافلة بالإنجازات الأمنيّة عكست إلتزامك الوطني والعربي ومسؤوليتك في خدمة الوطن والمواطن. لم تزدك النّجوم على كتفيك إلاّ تواضعاً والأوسمة على صدرك إلّا قرباً من النّاس الذين أحبّوك. مسيرةٌ حقّقت خلالها التّصالح بين الأجهزة الأمنيّة من جهة والمواطن من جهةٍ أخرى، لكنّك دفعت في الكثير من مراحلها ثمناً لمواقفك، فلمْ تتراجع، وبقيت من الرّجال الرّجال.

يكفينا فخراً أنّك رافقت المعلّم الشّهيد كمال جنبلاط وكلّفت بالتّحقيق في ملفّ إغتياله عام 1977، فإستطعت، وفي أيّامٍ معدودة، في إماطة اللّثام عن الجريمة وتفاصيلها، كاشفاً بالأسماء جميع المخطّطين والمنفّذين ومن يقف وراءهم. ويكفينا عزّةً أنّك كنت إلى جانب الزّعيم الوطني وليد جنبلاط في مسيرته الوطنيّة والنّضاليّة الكبيرة، في أصعب المراحل وأدقّها، فكان، وعائلته الكريمة، سنداً لنا وإلى جانبنا في يوم وداعك الأخير - هو وليد جنبلاط، زعيم الوفاء وقائد المسيرة، معه نبقى ومعه نمضي ونستمرّ.

أبي الحبيب،

يا من عشت كبيراً، معتزّاً بإيمانك التّوحيدي الذي أنشأتنا عليه، ورحلت بهدوء وخشوع راضياً مرضياً، موفور الكرامة. ستظلّ تاريخاّ ناصعاّ في الوطنية والمناقبية، وتجربةً رائدةً على مستوى الدولة وفي خدمة الوطن والمواطن. عزاؤنا يبقى في هذه السّيرة وهذه المسيرة وفي تلك الجموع التي حضرت ووقفت معنا في يوم وداعك الأخير.
في ذكرى رحيلك، لك منّا كل المحبّة، ونعاهدك بأن نبقى، كما أردت، أوفياء للمبادئ التي عشت من أجلها و التي، إن تمسّكنا بها، لا نضلّ أبدا. نمْ قرير العين، أنت الماضي فينا دوماً، ستبقى ذكراك في وجداننا، وستظلّ في كلّ لحظةٍ حاضراً فينا. هي مشيئة الله، نؤمن بقضائه وقدره، كما علّمتنا، و نتقبلهما بقلوبٍ مؤمنة. نسأل الله أن يتغمّدك بكريم رحمته الواسـعة و يجعل جنّة الخلد مسكنك ومثواك، ويلهمنا جميعاً الصبر والسـلوان.
الشّكر والتّقدير لكل من واسانا في مصابنا الجلل.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

 

 

*) رئيس الإدارة القانونيّة لدى بنك الكويت الوطني، دبي، الإمارات العربيّة المتّحدة