Advertise here

تفاصيل تكشف للمرة الأولى: إضاءة على أسباب العتمة!

16 شباط 2019 14:05:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2020 12:51:31

ليست المرة الأولى التي تهدد العتمة اللبنانيين... ومؤسسة كهرباء لبنان تأسف!

المشهد يتكرر: إنذارات تصدر عن إدارة المؤسسة وتعلن فيها عن تناقص ساعات التغذية بالتوازي مع إطفاء معامل إنتاج الكهرباء بالتدريج، وتهول بإدخال البلد في العتمة، في حال عدم فتح الاعتمادات اللازمة لدفع ثمن المحروقات المحملة على ظهر البواخر الراسية أمام الشاطئ، بل الرابضة مرتاحة تسجل غرامات يومية تترتب عن تأخر تفريغها. 

وها هي الجهات الشريكة بتأمين التمويل اللازم لشراء الفيول تتعرض للإحراج مجدداً، وتوضع أمام أحد خيارين، أحلاهما مر: تحمل مسؤولية ترك البلد يدخل في عتمة لا تنقصه، أو تحمل تبعات تجاوز الأصول والشروط القانونية المرعية الإجراء، فيتم الإعلان عن توقيع مرسوم إعطاء سلفة خزينة تكفي لتغطية ثمن المحروقات لفترة محدودة. وذلك قبل أن تنال الحكومة الثقة، وعلى أن تسوى لاحقا بالطبع، بحيث يمكن التأكيد بأن سلفة الخزينة هذه مخالفة للقانون وللواقع والحقيقة، وإن لم ينشر نصها بعد، وإنما من باب القياس على آخر حدث حصل للتو في السياق نفسه. 

بموجب المرسوم رقم 3750 تاريخ 16/10/2018، أعطيت مؤسسة كهرباء لبنان بموجبه سلفة خزينة بقيمة 642 مليار مدتها سنة واحدة اعتباراً من تاريخ تأدية هذه السلفة بغاية الاستمرار في تأمين تسديد المحروقات، وعلى أن تسدد إما نقداً وإما من الاعتمادات التي سترصد في الموازنة. وقد تم تبرير هذه السلفة في الاسباب الموجبة للمرسوم، على أساس أن السلفة المقررة في قانون موازنة 2018،  بنيت على أساس سعر برميل النفط الخام 60 دولار، وقد ارتفع هذا السعر إلى 85 دولار بتاريخ بحث مرسوم السلفة، فربطت الأسباب الموجبة للمرسوم السلفة المعطاة بموجب قانون موازنة 2018، بضمان قدرة إنتاجية بحوالي 1800 ميغاواط تؤمن21 ساعة تغذية! 

تعرف المادة 203 من قانون المحاسبة العمومية سلف الخزينة على أنها إمدادات تعطى من موجوداتها، أي من موجودات الخزينة، لعدة غايات من بينها تغذية صناديق المؤسسات العامة. وتعلق المادة 204 منح سلفات الخزينة لتغذية الصناديق المذكورة، على تثبت وزير المالية من إمكان الجهة المستلفة إعادة السلفة نقداً في المهلة المحددة لتسديدها، وعلى تعهد الجهة المستلفة بأن ترصد في موازنتها إجبارياً الاعتمادات اللازمة لتسديد السلفة في المهلة المحددة، وعلى موافقة السلطة التشريعية إذا كانت مهلة تسديدها تجاوز الإثني عشر شهراً. ويلاحظ هنا ان المدة محددة بالأشهر وليس بالسنوات. وهذا طبيعي لأن مبرر منح سلفة الخزينة هو ظرفي ومرتبط بمعالجة التفاوت المحتمل بين توقيت  ورود التدفقات النقدية المتأتية من  تحصيل الإيرادات التي تغذي صناديق الجهة المستلفة وبين مهل تسديد المستحقات المترتبة بذمتها.  

وبما ان موجودات الخزينة لا تكفي، اصلاً، لتسديد المستحقات المترتبة عن نفقات الموازنة العامة، والقاعدة الإثنتي عشرية لا تنطبق على سلفات الخزينة، فكيف تمنح سلفة يفترض أن تعطى من موجودات الخزينة، وكيف يعطي الشيء فاقده؟ وكيف يمكن إقرار سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان الأكيد والثابت الوحيد لديها هو عدم قدرتها على تسديد هذه السلفة، وأنها لن تتمكن من رصد الاعتمادات اللازمة لذلك في موازنتها، لا سيما وأنها تطالب اصلاً بمساهمة وليس بسلفة خزينة لتغطية عجز موازنتها! 

وماذا عن تجاوز مهلة التسديد الإثني عشر شهراً وموجب إطلاع المجلس النيابي بشأنها؟ 

الجواب بسيط والتنفيذ سهل، وهو باللجوء إلى الاستدانة لتمويل السلفة، بانتظار عرض الموضوع على مجلس النواب لتوفير تغطية قانونية لاحقة لها. تماماً كما حصل بالنسبة إلى مرسوم سلفة الـ 642 مليار رقم 3750 المذكور، التي صدر القانون رقم 109 تاريخ 30/11/2018 لتسوية وضعها، وأدى إلى تعديل الفقرة الأولى من المادة 13 من قانون موازنة 2018، رقم 79 تاريخ 2018/4/18 المتعلقة بإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة ومعالجة مسألة الديون المتراكمة،  بحيث أصبحت قيمة السلفة 742 مليار ل.ل. بدلاً من 2100 مليار ل.ل.، والباقي دون تعديل. 

بناءً عليه فإن معالجة سلفة الـ 400 مليار ل.ل. الجديدة، لا بد أن تسلك سبيل المعالجة من خلال قانون موازنة العام 2019 العتيدة، وسوف توصل إلى مزيد من الاقتراض أياً كانت صيغة معالجتها.  

وكي لا يفهم أننا سلبيون من دعاة العتمة، نضيف أن هذه المعالجة كانت ضرورية وإن لم تكن الأنسب.

نعم هي ضرورية لتأمين المصلحة العامة وسير المرفق ولتجنب إغراق البلد في العتمة، صحيح!        

وهي ليست الأنسب لأنها لم تترافق مع أية تدابير وإجراءات تساهم في إعادة الأمور إلى نصابها للحؤول دون التكرار، وتجنب الخسائر والمزيد من العجز والدين العام، الذي يتسبب به هذا النهج بالمعالجة.

إن أول هذه التدابير هو تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان وإلزامها بإعداد حساباتها وبيان حقيقة أوضاعها المالية ونتائج تنفيذ موازناتها وكيفية تمويل عجز وارداتها الذاتية عن تغطية نفقاتها من غير المحروقات، وإخضاع حسابات المؤسسة وأوضاعها المالية والإدارية والممارسات المؤدية إليها لرقابة ديوان المحاسبة. يليها تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي تأخر منذ العام 2002، بالرغم مما نص عليه القانون 181/2011 لناحية تعيينها مع مجلس الإدارة خلال مهلة حددها بشهرين لمجلس الإدارة وثلاثة أشهر للهيئة، وآثر وزراء الطاقة المتعاقبين منذ 2010 عدم تنفيذ  القانون  للتمكن من التحكم بشؤون المؤسسة وتسهيل السيطرة على قرارات مجلس إدارتها. فضلاً عن  إجراء مناقصات تلزيم إنتاج الطاقة وتوابعه، بمختلف أشكالها، عبر منصات وبطرق غير قانونية، يسهل من خلالها "تعيين" الفائزين بهذه التلزيمات، التي يجري بعضها تحت عناوين تخالف جوهر مضمونها وطبيعته.

في ظل الفشل المستمر والمتمادي في تحقيق الإنجازات الموعودة، لم يعد أمام هذا النهج "غير الناجح" سوى الحلول "الترقيعية"، من خلال تركيب عدادات للمولدات الخاصة، التي تشكل طعماً يبرر رفع تعرفة كهرباء لبنان تدريجياً، وتمرير القانون رقم 107/2018، المخالف للدستور وأدى إلى تشريع المولدات الخاصة لشركة خاصة، دون غيرها من اصحاب المولدات، وبما يؤدي إلى تمييز أهالي منطقة لبنانية عن غيرهم من المواطنين والمناطق. 

وها هم يعلنون في مجلس النواب ويتوعدون من سوف يقف بوجه المشاريع. ويتوقع أن تشهد أول جلسة لمجلس الوزراء بعد نيل الثقة، حرارة العودة إلى  مناقصة البواخر، التي رفضوا التقيد بملاحظات إدارة المناقصات على دفتر شروطها، لضمان تلزيمها للشركة التركية، مهملين النتائج المالية التي سوف تترتب عن هذا الاستجرار، بنتيجة زيادة الهدر المالي بنتيجة الاستمداد غير الشرعي للتيار، من قبل اللبنانيين والنازحين السوريين والذي أقر الوزير السابق سيزار أبو خليل بوجوده وحدده بـخسارة 550 ميغاواط يستمدها النازحون، يضيع منها 86 % ، وتؤدي إلى خسارة 5 ساعات تغذية. 

بالنتيجة هناك خسائر تصل نسبتها إلى 50% من الطاقة المنتجة من المعامل والبواخر والموزعة على الشبكة. وهي ناتجة عن الهدر وعدم التحصيل. 

فلتكن دعوة لكسر حلقة ابتزاز المالية العامة تحت ضغط التهويل بالعتمة، والعودة إلى احترام الأنظمة والقوانين التي يولي الدستور مجلس الوزراء والوزراء كل في ما خص وزارته، السهر على تطبيقها، وفق المادتين  64 و 65 منه.  

فهل من ينصت للعقل ويستجيب لمنطق التفكير السليم، فيتخلى عن النظر إلى المصلحة العامة من زاوية المنفعة والسعي لتكريس زعامته على حساب المالية العامة ومديونية الدولة!

    
    
*مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه