Advertise here

الحاكم والمحكوم والشعب المنكوب

28 نيسان 2020 12:23:50

يغيب الهدوء عن الساحة اللبنانية، في ظل الانقسامات السياسية الحادة والعجز عن إيجاد حلول وسطى للانقسام بين جبهة المصارف ممثلة بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة والى جانبه الأحزاب المعارضة، مقابل جبهة الممانعة التي يقودها رسمياً رئيس الحكومة حسان دياب.

هنا تتقاذف المسؤولية تحت شعار حرب سياسية-إقتصادية أصداؤها وأبعادها إقليمية ودولية. تنفجر شرارتها في الشارع اللبناني حيث تبلغ ذروتها في الوضع المعيشي رغم الإحتجاجات المتعاقبة من الناس الذين لا يكترثون لقرار التعبئة العامة. إن انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار هو أحد أسباب تفاقم الأزمة، حيث بلغ مستويات قياسية قد تفوق الـ 4000 ليرة لبنانية مقابل الدولار.

المضحك في ذلك أن حزب الله وحلفاؤه يحملون مسؤولية فشل السياسات التي اقترفتها الحكومات السابقة خلال السنوات الماضية، لحاكم مصرف لبنان، بيد أنّ حضور حزب الله كان جليًّا في تلك الحقبة لا سيما في الأربع سنوات الماضية مع بداية عهد ميشال عون. حيث كانوا يمسكون بمفاصل الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

 إن خسارة حوالى 84 مليار دولار لها أسبابها طبعا،  فسلاح حزب الله وانخراطه في الحروب الإقليمية تسبّبا بخسارة حوالى 36 مليار نتيجة لانقطاع السياح العرب عن المجيء إلى لبنان وانخفاض ثقة المغتربين في بلدهم وتراجع الثقة في ضخ الإستثمارات وكذلك التحويلات المصرفية من الخارج بالعملات الأجنبية، كما أن مرحلة تعطيل انتخاب رئيس جمهورية للبنان والتي دامت حوالى سنتين ونصف السنة حمّلت الاقتصاد خسائر تُقدر بـ13 مليار دولار، إضافةً إلى سوء الإدارة والهدر والفساد في قطاع الكهرباء والجباية الجمركية والتهرب الضريبي التي تتجاوز قيمتها الـ 33 مليار دولار، زد على ذلك التهريب عبر المعابر غير الشرعية والتهرب الجمركي الذي يُحاك تحت عباءة الحاكم "الظل" ويحرم خزينة الدولة من أموال وإيرادات جمّة، فقد بلغت نسبة تراجع الإيرادات الضريبية والجمركية بين 60 و 70 في المائة، وهذا يعكس واقع الحال.

بين حرب المعارضة والممانعة تقاذف المسؤوليات، نشهد ارتفاع متسارع لأسعار السلع الاستهلاكية يتراوح بين الـ 30 والـ 50 في المئة، مما يشكل عبئا على المواطن الذي يخسر من راتبه الشهري أكثر من 62 في المئة من قيمته الشرائية. وبات راتب الموظف الحكومي يوازي 400 دولار، والأساتذة حوالى 500 دولار، والعسكريين 300 دولار، في حين كان الحد الأدنى للرواتب في لبنان يعادل 500 دولار أميركي وبالكاد يكفي لتأمين أساسيات المعيشة في لبنان.
إن نسبة التضخم باتت تشكل حوالى 40 في المئة وهي في طور الارتفاع أكثر مع انهيار سعر الصرف. وتشير أرقام البنك الدولي الى أن نسبة الفقر تجاوزت الـ 50 في المئة وبلغت نسبة الفقر المدقع 25 في المئة من الشعب اللبناني ونسبة البطالة 40 في المائة، وهذا يشكل كارثة إنسانية آتية في الأشهر المقبلة. فقد تكون صورة مشابهة للمجاعة التي حصلت بعد الحرب العالمية الأولى مع غياب خطة إقتصادية مسعجَلة لإنقاذ الإنهيار في ظل الإنهيار المريع لسعر الليرة مقبل الدولار الذي من المتوقع أن يصل الى 6000 ليرة مقابل الدولار ولربما أكثر.

والأسوأ هو موضوع الضرائب الجمركية وتراجعها في ظل سياسية "مرقلي تا مرّقلك" وتغاضي الدولة عن تجاوزات "الدويلة". 

 لم تعد الدولة قادرة على تمويل العجز من خلال بيع سندات، فتم إلقاء الضغط على مصرف لبنان الذي أصبح عاجزاً عن التدخل في السوق، فالاحتياطي بالعملات الأجنبية لا يكاد يكفي تلبية حاجات الغذاء والأدوية والنفط للأشهر المقبلة والتي تقدر بـ 3 إلى 5 مليارات دولار.

إن الحل الوحيد يكمن في وضع خطة شاملة تنطلق من التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين العام وطلب لربما سلفة بشروط إصلاحية تبدأ بالبنى التحتية. والتركيز على الإقتصاد المنتج القائم على تفعيل دور القطاع الصناعي بشكل أساسي، بدل الإستيراد  85 في المائة من السلع الإستهلاكية والصناعية. وقد قدّم الحزب التقدمي الإشتراكي ورقة إقتصادية إصلاحية شاملة لعلها تُؤخذ على محمل الإنسانية لا النعرات السياسية.

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".