Advertise here

بين وعود إيران المُحاصَرة ونصائح صندوق النقد المشروطة... عجز السلطة يكبُر

18 شباط 2020 05:33:00 - آخر تحديث: 18 شباط 2020 10:05:41

مع استمرار الأزمة المالية والنقدية، والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، وبقاء الدولار على وتيرته التصاعدية؛ وفي غياب أية بارقة أمل لإعادة التوازن إلى المرافق الحيوية التي تهمّ المواطنين، وعدم توقيع رئيس الجمهورية حتى تاريخه على قانون موازنة العام 2020 التي أقرّها مجلس النواب، لم تُسجِّل زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان أي خرقٍ في جدار الأزمة المتفاقمة، بل أعادت تظهير الخلفية الحقيقية لفريق الحكم الحالي.

وإذا كانت تصريحات المسؤول الإيراني بقيت في إطار الوعود والعموميات، ولم تحمل استعداداً فعلياً من قِبل إيران لمساعدة لبنان، فإن السواد الأعظم من اللبنانيين لم يعوّلوا كثيراً على هذه الزيارة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على طهران.

لكن المسؤول الإيراني الذي جال على الرؤساء الثلاثة، والتقى عدداً من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية، بالإضافة إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، لم يحدّد في تصريحاته ومواقفه ماهية المساعدات التي تنوي إيران تقديمها للبنان.

وفي سياق التعليقات على زيارة لاريجاني، رأت مصادر مقربة من حزب الله عبر "الأنباء" أن الزيارة، "مهمّة وبنّاءة، فهي جاءت لتؤكّد أن لبنان لم يعد متروكاً، وأن الجمهورية الاسلامية بإمكانها أن تعوّض عليه كل ما فاته من المساعدات التي وُعِد بها من بعض الدول العربية والأوروبية، أكانت من خلال "سيدر" أو سواه"، وذلك وفق مصادر الحزب التي اعتبرت أن، "إيران لا تتعاطى مع لبنان من خلال حزب الله أو أصدقائها، بل تتعامل معه كدولةٍ مستقلة وحليفة لها في هذه المنطقة". 

في المقابل، فإن مصدراً في القوات اللبنانية رأى في اتصالٍ مع "الأنباء" أن أي زيارة خارجية تصب في مصلحة الدولة اللبنانية تكون موضع ترحيب، واستدرك: "طبعاً إيران دولة موجودة على مستوى المنطقة، إلّا أن هذه الزيارة تأتي في سياق رغبتها بتوجيه رسالةٍ إلى الدول التي تفرض عليها عقوبات بأنها موجودة، وقادرة على التحرك؛ وأنها لا تعير هذه العقوبات أي وزن. كما أن الزيارة التي يقوم بها لاريجاني هي أول زيارة لمسؤولٍ أجنبي إلى لبنان في ظل شعور بنوع من المقاطعة الخارجية للوضعية السياسية للحكومة الجديدة. وعليه فإن إيران قرّرت ان تستبق الجميع والقول إنها موجودة على الساحة اللبنانية، وأن هذه الساحة غير متروكة". وأضاف المصدر: "بالنسبة لنا كقوات لبنانية لا مشكلة لنا مع إيران كدولة، إنما المشكلة عندما تصرّ إيران على أن تدعم حزب الله وليس الدولة اللبنانية. فبالنسبة لنا مشروع الدولة هو الأساس".

وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم اعتبر بدوره في حديثٍ مع "الأنباء" أن زيارة لاريجاني تأتي في إطار ينفي ما كان يقوله أمين عام حزب الله حسن نصرالله أن حكومة حسان دياب ليست حكومة حزب الله، إذ يمكن اعتبار الزيارة أول زيارة دولية من الخارج لتهنئة الحكومة اللبنانية". ورأى أن التواجد الإيراني اليوم في لبنان، "جاء بعد ان اقتُلع لبنان من محيطه الاقتصادي الطبيعي العربي ولم يعد لديه صلة، ليحط في مجتمعٍ غريب عنه وعن اقتصاده، والبرهان أن هذه الزيارة لم تخدم الوضع الاقتصادي المنهار. فالدولة اللبنانية مفلسة وهي على هامش اهتمامات المجموعة الدولية فلا يتعاطى معها أحد، ولا يزورها أحد، والمشكلة أن لبنان يعيش حالة طلاق مع المجتمع الدولي".

وإلى زيارة لاريجاني الذي غادر بيروت مساء أمس؛ فإن زيارةً أخرى لوفدٍ من صندوق النقد الدولي شغلت اللبنانيين، وهي زيارة علّق عليها المصدر القواتي بالقول إن، "رأي صندوق النقد أساسي بكيفية خروج لبنان من هذه الأزمة سواء عن طريق جدولة الدَّين، أو إعطاء النصائح التي قد تعتمدها الحكومة بالنسبة لليوروبوند"، مشيراً إلى أن، "القوات يهمها الخروج من الأزمة مخافة سقوط لبنان، وهذا الاهتمام بكيفية مساعدة لبنان مرحّب به، وبالتالي يجب أن نعرف ما هي الاقتراحات، فلا نحكم على المواقف ولا على الأفكار، فلبنان دولة مفتوحة على الجميع بمن فيهم إيران إذا كانت تريد أن تساعد لبنان كدولة؛ لكنها غير مرحّبٍ بها إذا استمرت بدعم فئة من اللبنانيين على حساب باقي القوى السياسية، وعندها يمكن أن نحكم على مواقف لاريجاني".

في غضون ذلك وصف حكيم زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان بـ"الإيجابية"، لكنها "لا تكفي وحدها. فلبنان يحتاج خارطة طريق تعيد إليه اعتباره أكان من قِبل صندوق النقد أو غيره، لذلك المطلوب اليوم جدولة الدَّين العام". وأضاف: "الحكومة لغاية الآن لم تتخذ أية خطوة إيجابية، وهي عاجزة عن إيجاد أي حلٍ للأزمة ما لم يُتّخذ قرار بتقليص حجم القطاع العام"، سائلاً، "هل من أحد في السلطة لديه استعداد لتنفيذ هذا المشروع؟ طبعاً لا". وتابع: "أما النقطة الثانية فهي التهريب الجمركي. فهل الحكومة قادرة على مكافحة هذه المشكلة؟ لا مؤشّرات حتى اللحظة لذلك. وهذه الإصلاحات إذا ما طُبّقت يجب أن تستفيد من صندوق النقد الدولي. لكن ذلك وحده لا يكفي، والمواطن اللبناني مستعد لمساعدة الدولة، فهل الدولة قادرة على إعطائه الضمانات المطلوبة؟ هنا يكمن السؤال".

وعن الموقف من عدم دفع سندات "يوروبوندز"، قال حكيم: "عدم الدفع هو أمرٌ خارج الدراسة والنقاش بالنسبة للهيئات المالية العالمية"، مؤكداً أنه، "إذا كنا نريد الذهاب إلى الشعبوية يمكننا القول بعدم الدفع. ولكن هل نعلم ما الكلفة اللاحقة إذا لم ندفع؟ إن دفع الاستحقاقات في موعدها علامة إيجابية تجاه الهيئات الناظمة، وإعطاء إشارة إيجابية رغم الإمكانية غير المتوفرة. ولكن أهم من كل ذلك معرفة ماذا لدينا من احتياط، وإذا كان لدينا الاحتياط فمن الأفضل أن نسدّد. فالتسديد تعبير عن حسن النية، ومبادرة إيجابية من الدولة تجاه الدائنين، والدولة يجب أن تكون لديها رؤية واضحة إذا كانت تريد أن تسدّد أم لا، لأن عدم التسديد كارثي، لا سيّما وأن الاستحقاق المقبل يأتي بعد شهر من الاستحقاق الأول".