Advertise here

جنبلاط لن يعود الى السجن الكبير

28 تشرين الأول 2019 09:02:00 - آخر تحديث: 10 أيلول 2020 12:02:26

ليس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في المكان الذي يتمناه حتماً، لكنه على خط تماس أكثر قلقاً، وهو الذي لم يخرج بعد من تأثير المشهد السوري، حيث سقطت كل مطالب الشعب السوري وجرت شيطنتها، وتحوّلت صور التظاهرات السلمية في درعا وحمص الى مستنقع من الدماء ومساحة كفر وإرهاب بتوقيع "داعش"، هذه الشركة المساهمة التي وُلدت بسحر ساحر كما اختفت بقدرة قادر.

فوليد جنبلاط الثائر بطبعه، كما يعرفه المقرّبون، دفعته الحماسة ليلة 17 تشرين الاول الى الميدان خلف صيحات الناس الموجوعة، معلناً انه سيخرج من الحكومة ومؤكداً في اكثر من رسالة: "فليحكموا لوحدهم"، مردّداً ما قاله الشهيد كمال جنبلاط للرئيس بشارة الخوري: "جاء بهم الاجنبي فليذهب بهم نهر الشعب".

انتهت عاطفة جنبلاط بعد أقلّ من 48 ساعة، ترك قلبه في الشارع، متجنباً القفز وحيداً من المركب الوزاري، وشغّل محركاته السياسيّة علّه يقنع الجميع بالاستقالة معاً، داعياً ومحذّراً أكثر من مرة من قمع المتظاهرين ومن أي جهة كانت، قاصداً القوى الامنية بعد ما حصل في محاولة لفتح الطريق بالقوة في جل الديب وحزب الله بعد ما شهدته ساحة رياض الصلح.

الا ان جنبلاط لم يتهوّر، دخل الى جلسة مجلس الوزراء بعد الحراك وناور في الداخل والخارج، وغادر وزيراه الجلسة قبل انتهائها لعدم رضاه على بنود الورقة الاقتصادية المقدمة من الرئيس سعد الحريري، لكنه لن يترك هذا الأخير وحيداً، "فإما ان نبقى معاً أو نخرج سوياً"، وهو أكثر العارفين بما يعانيه الحريري جرّاء التسوية الرئاسية التي ارتضاها لنفسه والتي باتت تكلّفه الكثير وستكلّفه أكثر ما بعد 17 تشرين الأول.

فالخروج من الحكومة مكلف لجنبلاط كما البقاء فيها، وربما لا يجوز المقارنة بين موقف جنبلاط وموقف القوات اللبنانية، فتجربة جنبلاط المفخخة ما بعد العام 2005 والتي سار فيها ما بين الالغام السياسية والامنية للوصول الى مساحته الوسطية الآمنة، قد تكون احدى أهم أسباب تروّيه بخيار الاستقالة، الأمر الذي بات مؤكداً بعد ما شهدته الساعات الاخيرة من تحوّلات، وتحديداً بعد خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وبعد الاحداث المتنقلة من ساحة رياض الصلح الى مزرعة يشوع والمنصورية وسواها، والتي حذّر منها في مجالسه الخاصة قبل حصولها.

اللبنانيون كسروا الخوف صحيح، لكن كيف للثورات ان تنجح في ظل معضلتين، هما النظام الطائفي وسلاح حزب الله وامتداده الاقليمي؟
وهل تكون قد نجحت الثورة اذا ما سقطت الحكومة فقط؟ وحينها ماذا بعد؟

والسؤال الأهم ما مصير الثورة لا بل البلد بعد الفيتو الذي وضعه السيّد حسن نصرالله على الحكومة وعلى العهد؟ وبعد الرسائل المبطنة التي وجهها وأي تصرّف يمكن ان يقدم عليه اذا ما استمر نبض الشارع على حاله؟ وبالتالي أيّ ثمن سيدفعه البلد؟

هي اسئلة تبحث عن اجوبة، ومتى وُجدت هذه الاجوبة يمكن أن يُفهم حينها موقف جنبلاط، الذي يخشى الكثير مما أطلّ برأسه ومما لا يزال مختبئاً خلف جنون البعض.

فالمواجهة التي أطلقها جنبلاط في مسيرة الحزب التقدمي الاشتراكي من الكولا الى ساحة الشهداء في وجه العهد وممارساته وقمعه للحريات، لن تقف عند حدود العهد وبعض أجهزة الدولة الامنية والقضائية، فالفيتو أكبر بكثير من حدود قصر بعبدا.

فجنبلاط المتمرّد على واقعه والمتعاطف مع شعارات الشارع قرّر أسر ثورته في سجن صغير كي لا يعود الى السجن الكبير.