Advertise here

صفحة جديدة في تاريخها المديد: دار المختارة برأسين

31 كانون الأول 2018 11:40:08

للمرة الأولى في تاريخها العريق الطويل تجمع دار المختارة تحت سقفها العالي رأسين متوازيين في القيادة وفي المسؤوليات العامة، الوطنية والشعبية: وليد جنبلاط الأب، وتيمور جنبلاط الإبن. الأول تفرّغ للشؤون السياسية العربية والدولية، وقيادة الحزب التقدمي الإشتراكي، والثاني تولى مسؤوليات المقعد النيابي والشؤون السياسية المحلية.

وفي الزمن القديم كان الزعيم الخلف في دار المختارة يولد في لحظة غياب الزعيم السلف.. هكذا وجد كمال جنبلاط نفسه مدعوماً لرفع الحمل الكبير الذي ألقي على كاهله في الخامس من شهر حزيران 1943 يوم وفاة صهره حكمت جنبلاط (زوج شقيقته الست ليندا جنبلاط)، فتولى مقعد النيابة عن جبل لبنان.

وبعد 34 سنة عاشها كمال جنبلاط وزيراً، ونائباً، وقائداً للحزب التقدمي الإشتراكي، والجبهة الإشتراكية الوطنية، والأمانة العامة للأحزاب الإشتراكية العربية، أسلم الروح لباريها برصاص الغدر والخيانة، فقضى شهيداً في حلبة نضاله من أجل لبنان وطن عربي ديموقراطي، حر ومقاوم، من أجل تحرير فلسطين.

حدث ذلك يوم 16 آذار 1977. وفي ذلك اليوم ألقيت عباءة القيادة الحزبية والسياسية والشعبية على كتفي وليد جنبلاط.

وبعد أربعين سنة (يوم 19 آذار 2017) إحتشدت حول دار المختارة الجماهير المتقاطرة من العاصمة وسائر المحافظات للاحتفاء باسناد القيادة الشعبية والسياسية لتيمور جنبلاط، ويومها ألقى وليد جنبلاط على كتفي نجله عباءة القيادة وكوفية العروبة، ونجمتها فلسطين، ثم أطلق صيحته المدوّية: "إدفنوا موتاكم، وإنهضوا".

وهكذا يمضي التاريخ بدار المختارة عبر الأزمنة والأجيال. يجتاز المسافات، ويطوي الدهور. تستوقفه محطات فيتمهل فيها، ويستأنس بمناخها، وطبيعتها، ويألف وجوهاً، وأسماء، ودياراً تستضيفه فتأسره بأدبها، وبعلمها، وبشجاعتها وكرمها، وإذ يركن إليها يفتح لها صفحة في مجلده، فلا تكتمل، ولا تنطوي.

هذه المقدمة تنطبق على "دار المختارة" وعلى أهلها عبر التاريخ القديم المتصل، من دون إنقطاع، بالعصر الحديث. أي من زمن الشيخ بشير جنبلاط في الربع الأول من العام 1824 حتى اليوم، مع زمن وليد كمال جنبلاط، وتيمور وليد جنبلاط.

لقد تبدلت مئات ألوف الأسماء والوجوه التي صعدت ذلك الدرج الدهري المؤدي إلى الديوان المفتوح في الطبقة الثالثة من الدار، المسندة شرقاً إلى صدر جبل، والمطلة شمالاً، وغرباً، وجنوباً، على تلال وسفوح، ووديان تجري فيها أنهر وينابيع، وتنتظم على روابيها بيوت بلدات تتوسع، وتتقارب، وكأنها تلتزم تنفيذ خريطة مدينة كبرى رسمها مهندسون قبل عشرات السنين.

في تلك الطبقة (الثالثة من الدار) تتلاقى كل يوم سبت وفود زائرة من جميع أنحاء الجبل، ومن العاصمة بيروت، ومن المناطق الأربع، جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، فـ "دار المختارة" قصر تراثي، تاريخي، نكهته سياسية، وطنية، عروبية، حضارية، ثقافية، مدنية، وديموقراطية، نضالية، تقدمية، إشتراكية.

هذه ليست ديباجة لغوية. إنها شهادة يثبتها التاريخ القديم والحديث.

في الطبقة الثالثة عينها من الدار ديوان الإستقبال الشعبي المفتوح يوم السبت من كل أسبوع، تعرفه ألوف الزائرين.

الاثاث بسيط في إطار من التراث الفني العريق؛ لوحات تمثل قيادات من تاريخ النضال والثورات، والحضارات، وكرسي خيزران لرجل الدار. وأمامه، وعلى جانبيه تمتد المقاعد للزائرين وبعض الوافدين للمراجعة في شؤون عامة وخاصة، لكن الوقت بالدرجة الأولى لكلمات الوفود الزائرة، والقضايا العامة التي تطرحها ولا تخلو من إشادات ومطالب.

وحتى الأمس غير البعيد كان وليد جنبلاط يجلس على ذلك الكرسي، وإلى جانبه مساعد يمسك بقلم وورقة، ويدوّن أسماء الوفود الزائرة، ويسجل بعض المطالب.

ومنذ سبعة أشهر آل كرسي الخيزران في دار المختارة إلى النائب الجديد تيمور جنبلاط، فصار للدار رأسان متكاملان في الرؤية والرأي، والقرار. ويلاحظ المتابعون أن الأب يحاول النأي عن الوضع الداخلي المرتبك، والمضطرب سياسياً، ووطنياً، إلى درجة تنذر باخطار لم تكن محسوبة أو متوقعة، لكنه (الأب) يحافظ على موقع المراقب، المخدر، والمنبه إلى العواقب التي قد تأتي بما ليس في الحسبان. أما النائب (الإبن) فإنه متأنٍ، متمهلٍ، متمكن، ومطمئن لصحة الموقف أو القرار الذي يتخذه.

كما يكتشف المراقبون المتابعون خارج الدار إن وليد جنبلاط الذي يحاول أن ينأى بنفسه عن صغائر الأزمة اللبنانية التي تتحول "كبائر"، يركز جلّ إهتمامه، حالياً، على قضية العرب الكبرى، (فلسطين) التي تواجه خطر التصفية في عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي برهن بقراراته، وبمفاجآته المذهلة، أنه جاء رئيساً للولايات المتحدة الاميركية بـ "مؤامرة" حبكها ونفذها اللوبي الصهيوني لتحقيق حلمه، بدءاً باشهار القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

تيمور جنبلاط نائباً عن قضاء الشوف وإقليم الخروب حدث كبير أراده وليد جنبلاط، وقد تم بنجاح أكده النائب الفائز وقد إستطاع خلال ثمانية أشهر من نيابته أن يثبت أهليته للدور الذي آل إليه بعد إحدى واربعين سنة كان خلالها الوالد مجلياً في دوره النيابي على الصعيدين السياسي والشعبي.

دار المختارة برأسين؟.. هذا حظ كبير لجماهيرها وشعبيتها المنتشرة في كل أنحاء لبنان. وفي عالم الإغتراب، بدءاً من دول الخليج العربية إلى دول القارات الخمس، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، ودول أميركا اللاتينية وافريقيا، وصولاً إلى روسيا الحديثة.

دار المختارة برأسين؟

هذا حظ كبير لوليد جنبلاط، ولتيمور جنبلاط، وللحزب التقدمي الإشتراكي وقاعدته الشعبية التي تمثّل الرأي العام الوطني الحرّ.