Advertise here

لبنانُ السياسي 2018... انتكاسةُ تأليفٍ واقتصادٍ وتحالفات!

31 كانون الأول 2018 08:08:00 - آخر تحديث: 02 كانون الثاني 2019 10:55:56

لم تمرّ حرائق العام 2018 من دون ترك آثارها من رماد ودمار. حرائق لم تعفِ قطاعًا لا بل تمدّدت من السياسة إلى الاقتصاد لتأكل الأخضر واليابس ولترمي البلد الصغير وشعبه في دائرةٍ ضيّقة من الأماني بأن يكون العام المقبل أفضل ولو بقليل من العام الآيل إلى الانصرام.

لم يكن أنين الاقتصاد وحده ما يُسمَع في أرجاء لبنان، ففي السياسة أيضًا أوجاعٌ راسخة وعرقلاتٌ راسخة وقناعاتٌ راسخة نتيجتها اليتيمة الراسخة: لا حكومة في العام 2018.

يطوي العام آخر صفحاته من دون حكومة مذيّلًا ببعض البشائر والمؤشرات الإيجابية بعد أن أعاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تشغيل محرّكاته على خطّ بعبدا واللقاء التشاوري وبيت الوسط. بدأت الحكاية منتصف العام يومَ كُلِّف الرئيس سعد الحريري بما لم يظنّه يومًا مهمّة مستحيلة، وإذ بها مستحيلة وأكثر. عقدٌ ثلاث أولاها مسيحية حُلَّت بتنازل من القوات، ثانيتها درزية حُلَّت بمسعى رئاسي ووعي درزي، وثالثتُها سنيّة ما زالت عالقة عند أعتاب الوزراء الستّة السنّة الذين يصرّون بدفعٍ من الثنائيّة الشيعية على تمثيلهم بوزير. هو لقاءٌ حديث الولادة شهده العام 2018، تمامًا كما شهد ولادة حياةٍ جديدة بين حزبَين فرّقت بينهما عقودٌ من التاريخ الدموي. التقى أخيرًا حزبا القوات اللبنانية والمردة تحت قبّة بكركي وبرعاية سيّدها. تصافح الدكتور سمير جعجع وسليمان فرنجية أمام عينَي السماء وأعين حلفاء رحبوا وخصومٍ اعتبروا أنّ مثل هذه الخطوة في مثل هذا التوقيت تحمل أبعادًا نكائيّة (والمقصود التيار الوطني الحرّ). لماذا؟ لأن العام 2018 لم يكن كالعام 2017 بالنسبة إلى العلاقة القواتية-العونيّة. التفاهم الذي حمل اسم "تفاهم معراب" وأعاد اللُّحمة إلى الندَّين التاريخيَّين انهار انهيارًا شبه كامل عند أوّل استحقاق، فلا تحالف الفريقان انتخابيًّا، ولا تعاضدا حكوميًّا ولا اتفقا على ملفٍّ واحد.

وبالحديث عن الاستحقاقات، كانت الانتخابات النيابيّة على أساس النسبية ضوءًا صغيرًا في نفق الوطن المظلم. تحالفاتٌ هجينة وقانون غريبٌ أنتجت في نهاية المطاف كتلًا جديدة ووسّعت بيكار كتل أخرى، فيما كان المستفيد الأكبر القوات اللبنانية التي ضاعفت حصّتها والخاسر الأكبر الكتائب التي لم تجد ضالّتها في التحالفات فاكتفت بثلاثة نواب، واكتفت بعدها بالبقاء على هامش الحياة السياسية، فلا ذُكِر اسمُ الحزب في مفاوضات التشكيل ولا في النقاشات الإصلاحية، ليدبّ بعد ذلك الخلاف في صفوفه مع نهاية العام وسط استقالاتٍ بالجملة والدعوة الصريحة إلى إعلان حالة طوارئ في عهد الجميل الابن.

ومن الداخل إلى الحدود التي شهدت انكفاءً للإرهاب هذا العام من دون أن تشهد انكفاءً للعدو الإسرائيلي الذي زعم بوجود أنفاق لحزب الله تقود إلى الداخل الإسرائيلي، وأمعن ولمّا يزل في هذه الفرضية، وأطلق العنان لجرافاته لتعمل على الكشف عن الأنفاق على مرأى من "يونيفيل" متفرّجة وبواسل الجيش اللبناني الذين ردع أحدهم عنصرًا عدوًّا ذات نهاية عام إلى ما وراء الخطّ الأزرق. وفي حال عبور الحدود اتصالًا بالداخل، عادت السعودية لتثبت مكانتها في الساحة اللبنانية من خلال مبادرات حسن نيّة ودعوة الرئيس الحريري إلى المشاركة في مؤتمر دافوس الصحراء الاقتصادي على أرض المملكة، مقابل دعوة وجوه سياسية وفنية وإعلامية إلى المشاركة في حفل شتاء طنطورة أخيرًا، فيما بقيت العلاقة اللبنانية مع سوريا مشوبة بكثير من الاعتراض من فريق واسع.

في غمرة هذا التخبّط كان الشارع يتقلّب بخفر ويحاول استنساخ حركةٍ باريسية من دون فلاح. نزل ذوو "السترات الصفر" إلى الشارع بخجل وعادوا إليه مرة ثانية بخجل وقد يؤمّونه في العام المقبل بخجل أكبر. هو الخجل نفسه ينطلي على أفواج النازحين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم بأعدادٍ خجولة تؤشّر في نهاية المطاف إلى العودة الكبرى.

هو العام 2018 بكلّ انكساراته وانتصاراته. عامٌ يتمنى اللبنانيون لو يكون عبرةً يُبنى عليها لعامٍ مقبل تكون أولَ غيثه حكومةٌ جامعةٌ كفيلة بحلّ كلّ ما ذُكِر آنفًا... والباقي تفاصيل!