Advertise here

السباحة عكس التيار....زيارة باسيل إلى الجبل نموذجاً

07 تموز 2019 12:38:58

 

في زيارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى مدينة عاليه لتدشين محول كهرباء، والتي تمت بتاريخ 15/10/2017، اعتبر أنه آن الأوان للعودة السياسية إلى الجبل، بفعل قانون الانتخاب الجديد والتمثيل الصحيح، ومن ثم يأتي الانماء والاقتصاد والأمور الأخرى". ورأى رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل والناطق شبه الرسمي باسم رئيس الجمهورية فخامة الرئيس العماد ميشال عون، خلال افتتاح المحول الجديد في معمل الكهرباء في رشميا (قضاء عاليه) حينذاك أن العودة السياسية تتطلب ممارسة. وقال أيضاً: "لدينا معركة حقيقية، يحاولون بذرائع تقنية أن يتخطوها حتّى لا يسهلوا الاقتراع في مكان السكن". وقال أيضاً متوعداً المعرقلين ممن يتهمهم بذلك، "سنواجه العراقيل التي يضعونها لمنع اقتراعكم في مكان السكن، حتّى تصبح العودة السياسية أسهل". وقد شدّد في خطابه أمام جمهور "الجثث الرائعة"، على أن "قسماً كبيراً من أهل المنطقة لم يعودوا بعد". وقال: "هذا الأمر بحاجة إلى علاج حقيقي، ليس فقط احتفالات وخطابات والكلام عن المصالحة"، غامزاً من المصالحة التاريخيّة في الجبل والتي أرساها الثنائي الاستثنائي القطبان: عطوفة البطريرك صفير ومعالي الوزير وليد جنبلاط، رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النيابية، ورئيس جبهة النضال الوطني، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وسأل جمهور "الجثث الرائعة": "كدولة ماذا فعلنا من أجل العودة؟ هذا الوقت الذي تم هدره في المنطقة، وتهجرت فيه الناس وتركت قراها بسبب اصوات أليمة، هل يستطيع أحد إزالته من الذاكرة والتاريخ؟" وأضاف رئيس التيار الوطني الحر، صهر الرئيس ميشال عون، معالي وزير الخارجية: "الناس تستطيع المسامحة بسبب المحبة والوطنية، لكنها لا تنسى حتّى لا يتكرر الذي حصل. فالجرح يندمل، لكن علامته تبقى قائمة".
قال ذلك كله، تمهيداً للإعلان السياسي باسم العهد الجديد عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون: "المصالحة لم تكتمل. نريدها أن تكتمل. أن تكون العودة حقيقية. نافذة مع قانون الانتخابات الجديد. يتمثل الجميع... يتمثل كل إنسان يشعر بالاستقلالية والذاتية والحرية، ويشعر "بوجوده وقراره". وختم معاليه قائلاً: "وقتها نشعر بالعودة" (الصحف اللبنانية: الاثنين 16 تشرين الأوّل 2017) ثم انتقل وزير الخارجية جبران باسيل، ليفتتح مكتب "التيار الوطني الحر" في سوق الغرب، بصفته رئيساً له.
ووصفت مواقف باسيل "بالنارية" وأنها تهدد المصالحة التاريخيّة في الجبل والتي تمت في العام 2001، ودعا الحزب التقدمي "لتطويقها لدى الرئيس عون والبطريرك الراعي. وهذا ما جعل الوزير باسيل يوضح بعد توالي الردود على خطابه الناري، بأن مصالحة الجبل التاريخيّة لا خوف عليها" لأنها بين الناس، وأقوى من أن تسقطها القوى السياسية. ثم قال: "لكن العودة لا تكتمل إلاّ متى كانت نفسية وسياسية – إدارية واقتصادية. وهي لم تكتمل بعد. وهذه هي الحقيقة، وسنعمل على استكمالها". (الحياة 18/10/2017، ص 5).
وكان تصريحه عن أن "المصالحة لم تكتمل والعودة لم تتم" يوم الأحد 15/10/2017 في رشميا بقضاء عاليه، قد أثار ردود فعل مستنكرة، أبرزها، كان من النائب وليد جنبلاط. ثم أجرى رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل جولة على عدد من القرى والبلدات في الشوف اللبناني، يوم الأحد في 29/10/2017 وسط ترحيب من رئيس "اللقاء الديمقراطي النيابي" وليد جنبلاط، والذي غرد على تويتر قائلاً: زيارة باسيل إلى منطقة الشوف مهمة جداً لتثبيت الحوار والانفتاح وتأكيد المصالحة. وقانون النسبية يعطي كل ذي حق حقه بعيداً من الاستئثار" (الحياة 30/10/2017: ص 5)
وقد استدعى ذلك من الوزير باسيل القول: "إن الناس تريد أن تعود بالسياسة"، متوقفاً عند كلام النائب جنبلاط عن "قانون الانتخاب اليوم"، وقال: "لا لبنان قوياً بلا جبل قوي. ولا جبل قويًا بلا مصارحة. فمصارحة وشراكة وتساوٍ".
وتعالج هذه الورقة الكيفية التي يتأثر بها إدراكنا لذواتنا في لبنان بعامة والجبل بخاصة، بعد "سنة أول عهد"، بما لدينا من مفاهيم وأساسيات فكرية وسياسية من مواقع مختلفة. وهي تتطرق أيضاً إلى الكيفية التي نتواصل بها بعضنا مع بعض، وكيف نشكل "وطناً نهائياً" على حد قول الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، ونتفاعل.
فقد ظهر في خطاب رئيس التيار الوطني الحر، في برهة الجبل حديثاً، وفي خطب الردود عليه، الحوسبة القابلة للارتداد وسرقة الهوية والطابعات ثلاثية البعاد والحرب السيبرانية، وسوف يطرح المولع بالسياسة، وكذلك من يخشاها، السؤال نفسه: ماذا بعد؟ أمّا المواطن اللبناني المسكين الذي ذاق الأمرين ويذوقه يومياً، فسوف يتساءل متعجباً: ماذا يكمن وراء كل هذا؟ وهل تأتي الانتخابات القادمة بمنظور موحد، يمكن من خلاله تفسير وجود هذه الخطب والمواقف، على أنها جوانب مختلفة لتوجه واحد كبير وشامل سيظهر قبيل الانتخابات أم بعده، لا أدري!
جزء من صعوبة الاجابة على هذا السؤال، يكمن في أننا ما زلنا معتادين النظر إلى الخطب والخطب المضادة، والى المواقف والمواقف المضادة، على أنها أدوات للكسب السياسي من بعضنا البعض. في حين أنها صارت قوى عصبية وطائفية وانتربولوجية، تخلق واقعنا الفكري، والهوياتي والوطني وتشكله، دون أن تغير فهمنا لذواتنا، أو تحور الكيفية التي تربطنا بعضنا ببعض، تماماً كما تربطنا بذواتنا، وتحسن بالتالي من كيفية تفسيرنا للمواطنية والوطن، في إطار فهمنا لبيئاتنا وللعالم من حولنا.
تسعى هذه الورقة بعد برهة الجبل في رشميا وسوق الغرب، إلى تحديد وشرح بعض القوى العصبوية العميقة التي تؤثر في حياتنا وفي رسم مستقبلنا، وفي أي شيء يحيط بنا، دون أن يشكل أطروحة إفهومية مدفوعة إلى حدٍ كبير بإسنادات قوى قووية داخلية وخارجية.
نعرف مسبقاً، أننا لسنا الجيل الاستثنائي، لمجرد أننا نشهد على مثل هذا الحراك السياسي، أو لأننا فقط على قيد الحياة، وكان علينا أن نموت في خطة تفجير أو خطة تهجير في الجبل أو بيروت أو في لبنان عامة. غير أننا ندرك أننا في مكانة بين الموتى والذين لم يولدوا بعد.
وإذ نقر بوضع الأمور في نصابها، فأحيانًا تكون البرهة برهة حرب المخيمات، أو برهة حرب الجبل أو برهة الاجتياح الإسرائيلي أو برهة حرب تموز أو برهة سبعة ايار، أو برهة الطائف أو برهة الدوحة أو برهة قصر بعبدا، أو برهة العودة إلى قصر بعبدا، أو برهة المصالحة في الجبل، أو برهة الانقلاب على المصالحة في الجبل. ما نود تأكيده هو أنه أحياناً يكون عهد جديد وأنت موجود في الإنفوسفير أو الغلاف المعلوماتي القديم عن تاريخ لبنان، لأن له تاريخ.
إن برهة الوزير باسيل التي نناقشها سواء في الشوف أو في غيره من المنابر، إنما تشكل فرصة لتشكيل وعينا بمستقبلنا. إنه نوع من التفاؤل بوعي ما، في الانتخابات القادمة. لأن الارتياب هنا، يكمن في مدى قدرتنا على تحقيق أقصى فهمنا لها. مع تجنب سوء عواقبها. والاشتغال على جعل هذه البرهة، برهة صديقة لنا، من خلال جعل بيئتها بيئة صديقة لنا، كما يريد وليد جنبلاط. 
فيجب أن نرصد بكل دقة الفرص العظيمة التي تقدمها أيام الوزير باسيل المنبرية أو غيره في الجبل أو في لبنان، لنجعلها تتلازم مع مسؤولية فكرية وسياسية ووطنية ضخمة من أجل فهمها فهماً جيداً والإفادة منها بالطريقة الملائمة، وآمل أن يكون واحدنا رؤوفاً عند الحكم على مواقف الوزير باسيل وجهوده، ولا نجعلها تضيع سدى. فهو جزء من مشروع أوسع عن لبنان المستقر والأمن بحدوده النهائية، لأنها تتجاوز الأسوار، وتطل على أجواء من الترقب المرتبك المشوب بالقلق في الأوساط الثقافيّة والفكريّة والسياسية وبيوت الخبرة.
إن التغييرات التي تطرأ على آرائنا بشأن الحراك السياسي اليومي في الجبل وفي لبنان، إنما هو نتيجة ما نجريه يومياً من ضبط فكري وسلوكي في واقعنا الذي ربما قد يتغير بسلاسة أمام أعيننا وتحت أقدامنا بصورة تصاعدية ودون توقف، بعد ولوج التسويات الاقليمية المؤسسة للنابتة الضارة والمفيدة في لبنان.
ويبدو أن فلسفة جديدة للتاريخ تحاول إيجاد معنى ومنطق لعصرنا، باعتباره نهاية التاريخ وبداية التاريخ المفرط وهذا يدعونا إلى قراءة جديدة للسياسة اللبنانية والانتربولوجية السياسية الجديدة، للحفاظ على البيئة التركيبية كجسر بين اللبنانيين، وبينهم وبين العالم الاقليمي المجاور. إن برهة باسيل في الجبل تدعو إلى فلسفة جديدة للسياسات بيننا. وعلينا أن نفهمها جميعها، على أنها محاولات، لإيجاد منطق ومعنى لمأزقنا الجديد المتعلق بالتاريخ المفرط الذي نعيشه اليوم، والذي تتشكل منه برهة باسيل بل برهتنا نحن معاً في آن.
وكما يقولون في البرازيل: "الحجر عميق إلى أبعد حد" فإن المشكل السياسي أعمق بكثير. ونحن بحاجة إلى القيام ببعض التنقيب السياسي الجاد. ولهذا فنحن مدعوون إلى إعادة التفكير في الحاضر والمستقبل، على ضوء برهة باسيل، والسباحة عكس التيار، والنظر بإمعان في جذور ثقافتنا، ورعايتها، لأننا بحق معنيون بثمارها.
فنحن بحاجة إلى الفلسفة السياسية كما يراها وليد جنبلاط لتحسين الديناميات الاقتصادية، والاجتماعيّة، والسياسية للانتخابات النيابية القادمة، إننا بأمس الحاجة إلى الفلسفة السياسية الجنبلاطية، لبناء الإطار الفكري المناسب الذي يمكن أن يساعدنا على إدراك الدلالات لمأزق الانتخابات النيابية والبلدية في لبنان بوصفها فلسفة تخص عصرنا، من أجل عصرنا، وإننا بلا شك أمام المهمة العملاقة التي وضعها وليد جنبلاط أمامنا. وربما أدى ذلك إلى التوسع في المخاوف والاهتمامات الأخلاقية والرعاية لجميع البيئات والتأسيس على بنية تحتية أخلاقية تتسق معها؛ فأمامنا الكثير من العمل، ونأمل أن يكون التيار مؤاتياً لا معاكساً لاعطاء معنى وإيجاد منطق للعملية الانتخابية، من أجل أن نكتسب فهماً واستيعاباً أفضل لعصرنا، والتعامل بنجاح مع مشكلاته، التي لم تحسم بعد. ويجب أن لا تأتي السباحة عكس التيار بحافز للهلع بل للاطمئنان. يقول اوتو نيوراث (1882- 1945) وهو فيلسوف عضو في حلقة فيينا: إننا حتّى ليس لدينا طوف، لكن الغرق في الغموض ليس خياراً إن التفكير المتكاسل، يؤدي إلى تفاقم مشاكلنا، كما يرى الوزير جنبلاط، ولذلك فنحن في حاجة إلى بذل أي جهد عقلاني رشيد لنبني طوفاً بينما نحن مستمرون في السباحة، طرداً أو عكساً مع التيار.