Advertise here

رمزية خاصة في 7 أيار... وهذه رسالة جنبلاط

08 أيار 2019 12:34:01

ويبقى للدولة رجالها عندما يعزّ عليها الرجال. ويبقى وليد جنبلاط خير الرجال ورمز المقدامين. لم يفكّر وليد جنبلاط يوماً بمنطق فئوي أو مصلحي أو شعبوي ضيق، ولو أراد ذلك لما كان السبّاق دوماً إلى استنباط صيغ الصلح والحرص على السلم الأهلي والمصلحة الوطنية. حتّى في تنازله يبقى جنبلاط على رفعته، يغلّب العقل على العاطفة، والهدوء على الحماسة، والفراسة على السياسة. قال كلمته بهدوء، حول ما يريده في الشويفات، وهو إرساء الأمن وختم الجرح وإعادة اللحمة بين الأخوة والأبناء.


ومن شؤون القدر والمصادفة، أن يتزامن التنازل عن حق الإدعاء الشخصي في قضية الشهيد علاء أبو فرج، مع ذكرى السابع من أيار، ولهذا التعبير رسائل ودلائل يمكن الإستدلال من خلالها على كبر وليد جنبلاط. قال الرجل كلمته ومشى:" كل ما نريده في الشويفات هو ان تأخذ العدالة مجراها والخطوة التي قمت بها أتحمل المسؤولية الكاملة  في اتخاذها راجيا من الرفاق الابتعاد عن التشنج".  وأضاف:"ليست المرة الاولى التي تعتمد  هذه الطريقة وفق القانون والاعراف من اجل الصلح العام، واشكر الرئيس عون والمشايخ الاجلاء على سعيهم ومساعدتهم".

 

الرسائل واضحة، إعلاء شأن الدولة، وتغليب المصلحة الوطنية على العواطف والحسابات الشخصية، والتجاوب مع مبادرة رئيس الجمهورية وإكرام المشايخ لا إهانتهم، كما يمعن الغير. وغالباً ما يلجأ جنبلاط إلى أسلوبه المعتاد في حجب الدماء ولجم التوتر أو محاولات زرع الشقاق. وهو الذي يتلقف دوماً أي مبادرة من شأنها تثبيت التهدئة.

 

تقدّم رئيس الجمهورية مشكوراً بمسعى من قبله، بأن يتم إسقاط حق الإدعاء الشخصي، مقابل أن يستدعي رئيس الحزب الديمقراطي إلى قصر بعبدا، لمطالبته بتسليم المتهم بعملية الإغتيال، وهذا المسعى المبارك من قبل المشايخ سرعان ما لاقى تجاوباً من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، الذي يغلّب منطق الدولة على منطق الميليشيات أو الدويلات، وبينما تم إسقاط حق الإدعاء الشخصي، لا بد من أن تاخذ العدالة مجراها بكفالة ورعاية رئيس الجمهورية، بحيث يبقى الحق العام قائماً، والذي بموجبه يجب أن تتم محاكمة المتهم محاكمة عادلة، على أن يتم بعد تسليمه للسلطات المختصة، وإنزال الحكم اللازم بحقه، يتم البحث في ظروف معالجة القضية وفق ما تقتضيه الأعراف برعاية المشايخ لأجل إبعاد أي محاولة توتر عن الجبل.

 

وعليه لم تعد الكرة في ملعب وليد جنبلاط، وهي في الأساس لم تكن في ملعبه، لكن وعلى الرغم من وجود الكرة بعيدة، يعرف جنبلاط كيف يسجّلها هدفاً في مرمى الآخر، فتقع المسؤولية الآن على عاتق الجهات الراعية للمتهم، وهذه ستكون مسؤولية رئيس الجمهورية أمام الرأي العام والقضاء وأجهزة الدولة، وكذلك ستكون المسؤولية ملقاة على عاتق الجهة الراعية للمتهم والتي تخفيه.

 

وبحال لم يلتزم الطرف الآخر بتطبيق مندرجات مبادرة الرئيس، فحينها تكون تلك القوى قد وضعت نفسها مجدداً بمواجهة الدولة ومؤسساتها، وخيّبت مجدداً آمال ومساعي المشايخ، لا سيما أن بعض الإشارات الآتية من وراء الحدود، تشير إلى أن بعض النافذين في النظام السوري يرفضون تسليم المتهم لإبقاء الجرح مفتوحاً وغير قابل للبلسمة، لعلّ يبقى الملف باباً لتسجيل المزيد من الإستفزازات داخل البيئة الدرزية.

 

وحده وليد جنبلاط يعرف متى يقدم وكيف يقدم. ووحده الذي لا يترك مجالاً للتشكيك بمسؤوليته الوطنية، فأقدم على هذه الخطوة لحماية الجبل، ولو مثّلت الخطوة تنازلاً عن في مكان ما، لكن الهمّ الأساسي يبقى في إعلاء الوحدة الوطنية على أي حسابات أخرى مهما كانت حساسة، خاصة أن التنازل يتخذ طابعه الشخصي والشكلي، بينما العدالة من المفترض أن تأخذ مجراها. وربما مصادفة حصول هذا التطور بتاريخ 7 أيار، ليدلّ إلى حرص وليد جنبلاط على الوحدة الوطنية، والتي أراد بعض الأطراف قبل سنوات تهشيمها في أحداث 7 أيار، والتي أيضاً اتخذ جنبلاط يومها قراراً كبيراً وجريئاً بالذهاب إلى الحوار، لتجنيب لبنان والجبل تهجيراً جديداً كاد يقع لو استمرت المواجهات والإشتباكات، فاختار جنبلاط الحفاظ على الجبل ونسيجه، وتجنّب أي محاولة تفجير أو تهجير. فمجدداً لا بدً من القول إنه لو لم يكن للدروز زعيماً كوليد جنبلاط، لكان مصيرهم كمصير الأيزيديين والاكراد.