Advertise here

هل يستطيع بايدن إلغاء "صفقة القرن" واعادة الفلسطينيين الى المفاوضات؟

07 كانون الأول 2020 15:37:24

حسمَ الرئيس الفائز في الانتخابات الأميركية، جو بايدن، خياراته الأساسية بترشيحه أنتوني بلينكن لوزارة الخارجية، وأعضاء فريقه للمناصب الأساسية في وزارتَي الخزانة والدفاع، والأمم المتحدة، والأمن القومي، وهم من خبراء السياسة "الأوبامية" الذين ساهموا في صناعة سياساته الخارجية، وعملوا في ميادين الشرق الأوسط. وهذا الفريق تحديداً، وفي فترة تولي هيلاري كلينتون وزارة الخارجية، وهي التي كانت خلف السياسات الفاشلة للإدارة الأميركية في سوريا، وفلسطين، ومصر، وليبيا، وتونس، ولبنان، بحيث ربطت مواقفها من تلك الدول قياساً بأولوية اتفاقها مع إيران حول برنامجها النووي.

في تلك الحقبة أبلغ عدد من القادة الأوروبيين القيادة الفلسطينية أنه ثمة مشروع لدى أوباما وكلينتون، بإقامة،  "دولة فلسطين الإسلامية" في قطاع غزة، بعد توسيعه جغرافياً باتّجاه صحراء النقب، أو صحراء سيناء، امتداداً إلى العريش، وإلحاق مدن الضفة الغربية ذات الحكم الذاتي بدولة فلسطين الإسلامية التي ستقودها حركة حماس"، وذلك ضمن إطار اتفاقٍ شاملٍ جرى البحث فيه بين قيادة دولية الإخوان المسلمين، والرئيس أوباما وإدارته.

وإذا عدنا قليلاً إلى تلك اللحظة، واستعدنا تلك الخطة التي انهارت بفعل الثورة المصرية الثانية، وانهيار حكم محمد مرسي بعد سيطرة الجيش المصري على مفاصل الدولة، وتولي الرئيس السيسي الحكم، نرى أن مجموعة الرئيس ترامب، التي كتبت عناوين صفقة القرن باعتبارها الحل الأميركي – الإسرائيلي المشترك للمسألة الفلسطينية، لم تأتِ من فراغ بل استمدّت أفكارها من الاتفاق الذي أبرمته كلينتون مع الإخوان المسلمين حول إنشاء "دولة فلسطين الإسلامية"، والتي ستبرّر يهودية الدولة الإسرائيلية، وسيطرتها على أكثر من 40% من الضفة الغربية، فضلاً عن القدس، والمستوطنات، وقضية اللاجئين.

وعندما يعود خبراء السياسة الأوبامية، وأبرزهم المرشّح لوزارة الخارجية لقيادة وصناعة السياسة الخارجية لبايدن، لن يجدوا في صفقة القرن شيئاً مختلفاً عما جرى التأسيس له في المرحلة السابقة وفُشِّل، لكنه سيرى أن صفقة القرن أصبحت بحاجة الى تعديلات جديدة، وإلى إطارٍ جديد، وآلية تسويق مختلفة عن تلك التي اعتمدها ترامب، وأثار ما أثاره من إشكالات، واستعصاءات، أوصلته الى حائط موصد.
 
ما يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية الجديدة في المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، وفق رأي المتابعين، هو التالي:
 
إزاحة الفظاظة "الترامبية" الفوقية في التعامل مع الفلسطينيين من موقع الاستعلاء، والاحتقار، والتهميش، وإنهاء سياسة التجويع والإذلال، حيث استطاع نتنياهو جعل سياسة أميركا مطابقة لسياسته الشخصية، وسياسة أقصى اليمين الإسرائيلي. وهذا الأمر لا يتناسب والوجه الجديد للبيت الأبيض ولا الفريق الجديد، حيث أن عدداً من الخبراء دعا القيادة الفلسطينية، قبل وأثناء الانتخابات الأميركية، إلى الصبر حتى انتهاء الحقبة الترامبية، كما أن أحد كبار داعِمي إسرائيل من الديمقراطيين جاء في زيارة شخصيةٍ للرئيس أبو مازن، وقال له بأن عليه الانتظار والصمود حتى تنتقل الإدارة الأميركية إلى بايدن لتصويب بوصلة المسألة الفلسطينية، وإعادة ربط العلاقة الرسمية للبيت الأبيض مع السلطة الفلسطينية، وكذلك إعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في واشنطن، وتحسين شروط عمله، كما يُمكن عندها إعادة دعم المؤسّسات الدولية ذات الصلة بالشأن الفلسطيني، كالأونروا، ومؤسّسات الأمم المتحدة الأخرى التي حاربها ترامب، وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية أن تكون جاهزة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
 
العودة إلى المفاوضات لا تعني أن بايدن سوف يلغي قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فهو لا يستطيع ذلك ولا يريده، كما أنه لن يلغي الإعلانات الخاصة بتطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، وقد يرفع إشارة التحفّظ، لكنه لن يعترض على هذا، وسيترك الأمر دون موقف واضحٍ وصريح، ودون أي مجابهة مع الإسرائيليين، وتحديداً مع نتنياهو إذا عاد مجدداً لتولي رئاسة الوزراء بعد الانتخابات، المرجّح حصولها في الفترة المقبلة، وفق ما خرجت به نتائج التصويت التمهيدية لحلّ الكنيست.
 
لن يستطيع بايدن إنهاء صفقة القرن التي ستدخل في الأرشيف السياسي للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية. وطالما أن المفاوضات غير مقدّر لها أن تصل إلى نتيجة حاسمة، فإن الإدارة الجديدة تسعى لأن تُبقي خيار حل الدولتين مطروحاً على طاولة المفاوضات، دون أي ضمانات حقيقية تقدّم للطرف الفلسطيني، وهذا ما كانت تنادي به بريطانيا، وتبنّاه الاتحاد الأوروبي الذي كان يطالب نتنياهو بعدم إغلاق الطريق أمام خيار حلّ الدولتين الذي يجب أن يبقى مطروحاً للمفاوضات.
 
لا يعتقد أي من الفلسطينيين، ولا يتوقّع، أنّ بايدن سيدخل في مفاوضات مباشرة مع نتنياهو، أو من سيخلفه، لإجبار إسرائيل على الرضوخ للقرارات الدولية. هذا الأمر ليس من أولويات الإدارة الأميركية، لكن ربّما تحظى المبادرة الفلسطينية – المصرية لعقد مؤتمر دولي للسلام، بدعمٍ شكلي أميركي، وتنشيط دبلوماسي حول المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين، مجدداً، غطاءً دولياً يحفزهم للعودة إلى المفاوضات الثنائية.

 لكن المطلب الفلسطيني القائل بالعودة إلى المفاوضات من حيث انتهت وتوقفت، وعلى أسس الشرعية الدولية، لا يمكن أن تقبل به إسرائيل، ولا يمكن أيضاً أن تفرضه واشنطن على إسرائيل، لأن الخلل الكبير في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية هي أن الموقف الأميركي يترك للطرفين حرية الاتفاق، ولا يجبر أي طرفٍ على شيء لا يريده. وهذا الموقف هو لمصلحة إسرائيل وفق توازن القوى، ويعني إجبار الفلسطينيين على القبول بما تريده إسرائيل، وجلّ ما تفعله الإدارة الأميركية في هذا السياق هو ممارسة الضغوط لتحريك المفاوضات دون إجبار إسرائيل على تقديم التنازلات، أو تطبيق القرارات الدولية.
 
ما قد يحصل لا يعدو حركةً شكلية لتلميع الظاهر، وتحسين المشهد وأطرافه، لأن ما حقّقته إسرائيل في المضمون في عهد ترامب سيبقى على حاله دون أي تراجع أو تعديل، وبالتالي على الفلسطيني اجتراح مساحةٍ جديدة للعمل السياسي، على قاعدة الإبداع في مقاومة الضغوطات الكبيرة، (مقاومة سلمية تعتمد على الجمهور الفلسطيني في الدرجة الأولى). وهنا تكمن عقبة الانقسام الداخلي الفلسطيني بين فتح وحماس، وبين الضفة الغربية وقطاع غزّة والتي لا بد من ردمها، كما تكمن في افتقاد الفلسطينيين لأدوات الضغط الشعبي التي تساعدهم في المفاوضات، فالاحتضان العربي في ظل حركة التطبيع الجارية في وضعه الراهن لا يساعد الفلسطينيين، على الرغم من ما تبقّى من دورٍ مهمٍ تلعبه كل من الرياض وعمان والقاهرة التي تتمسّك بخيار حل الدولتين. كما أن المفاوِض الفلسطيني، والحالة الفلسطينية، لا ينتجان الآن الإبداع المحفّز للقوى الدولية، والمحفّز لمناصِري القضية الفلسطينية، لكي يستعيدوا روح المناصرة والدعم العام للمرحلة المقبلة.