Advertise here

كمال جنبلاط.. فكرٌ إنساني لا بد أن ينتصر

06 كانون الأول 2020 19:28:00 - آخر تحديث: 06 كانون الأول 2020 19:29:46

أطلّت ذكرى ولادة المعلّم كمال جنبلاط، ونحن على مشارف الانهيار الاقتصادي الكبير، محاولين لملمة بقايا بلدٍ يفقد يوماً بعد يوم ميزة الوطن، وجاهدين للخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد. 

وقد كان اغتيال كمال جنبلاط عنواناً لبداية السقوط. وليس ما نحياه اليوم سوى النتيجة الطبيعية لتغييبه بهدف إسقاط مشروعه الوطني، وفكره الإنساني الجامع. فلو أنّ كمال جنبلاط لم يبقَ وحيداً، ولم يتخلّى عنه الجميع، الجميع - سوى الرفاق في الحزب والحركة الوطنية - وحيداً تماماً، وإذا ما استثنينا محاولة الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، لثنيِه عن العودة والاستشهاد، لما كنّا قد وصلنا إلى هذا الجحيم اليومي الذي نعيشه، ونسمّيه وطناً.

وحيداً، وقف كمال جنبلاط في وجه المشروع الأميركي- الصهيوني لتسليم لبنان إلى نظام الأسد بهدف ضرب الحركة الوطنية، والمقاومة الفلسطينية، وحماية الكيان الصهيوني. وها نحن اليوم في مواجهة على كل المحاور التي تُطبق على أنفاس البلاد والعباد.

وحيداً، بقي كمال جنبلاط مُصرّاً على أن تكون المقاومة وطنيةً عربيةً جامعة لكي تنتصر، فلا تقتصر على طائفةٍ، ولا على دِينٍ، ولا على الولاء لرجلٍ مهما علت قامته، ولا لمحورٍ ولا لدولة، بل مقاومة وطنية، منفتحة، مؤمنة بهدف واحدٍ هو تحرير الأرض تحت راية الحق الإنساني والوطني، بعيداً عن مصالح الدول والمحاور. 

سقطَ المعلّم، وسقطت معه فكرة العروبة المستنيرة، المنفتحة، والهاربة من السجن الكبير. وها هو الوطن العربي زنزانات من حديدٍ، أو من ذهب، تُطبق على أنفاس شعوبٍ مقهورةٍ وفقيرة. وسقطت في لبنان فكرة العروبة المحافِظة على صيغة لبنان الفريدة، وانتقلنا من انعزالٍ معلنٍ إلى انعزالٍ مقنّع. وأتت الأيام الأخيرة لتثبت أننا دون عمقنا العربي نحن في حالة حصار، وستكون أيامنا القادمة شاهدةً على آثاره التدميرية.

قُتِل المعلّم لتكون الضربة الأولى للمقاومة الفلسطينية المسلّحة، وها هي فلسطين تسقط مع حلمها وقضيّتها، سوى من أحلام وآمال الرافضين التخلّي عن قضيّتها، أبناء المعلّم ورفاقهم، والذين التقوا في خندقٍ واحدٍ، أو لم يفعلوا.

قُتِل المعلّم وقُتلت معه فكرة أن الحياة ثورة، وأنّ الإنسان عليه أن يكون ثائراً على الدوام، ثورة حقيقية، قادرة، فاعلة، مستعدة لإحداث التغيير. ثورة واضحة محاوِرة للجميع، وغير مقفلة في وجه أحد. ثورة قائمة على فكرة تراكم النضال، والعمل المباشر البعيد عن الشعارات، والخطابات، والمصالح. ثورة متصلة بعمقٍ فكريٍ، إنسانيٍ، محرّكٍ ومثبّت للأهداف والخطوات.

قُتل المعلّم، وقُتل معه حلم الاشتراكية الإنسانية القائمة على العدل، والمساواة، وتشجيع المبادرة الفردية، والإخاء، والعدالة الاجتماعية، وأهمية الملكية الصغيرة، ورفض هيمنة رأس المال، واحتكار البضائع وتكديسها، فغرقنا في فوضى نظامنا الاقتصادي القاتل. وها نحن اليوم نجني ثمارَه جوعاً، وإفلاساً، وفقراً.

رحلَ المعلم، وقُتلت معه فكرة قدسية الإنسان المحور، نقطة البيكار، غاية الغايات. وها نحن في وطنٍ سقط فيه الإنسان، فسقطت فيه كل القيَم الإنسانية. وهذه الخسارة هي الخسارة الأهم، لأن الفكر التقدمي، المثالي، الواقعي، المرتكِز على قدسية الإنسان الذي جسّده المعلّم في هذا الشرق المظلم في كتاباته، ومقالاته، وميثاق حزبه، ومسلكيّته، ونضاله. والبرنامج المرحلي للحركة الوطنية يختزل الأفكار، والتحديات، والصراعات، والأهداف الأخرى جميعها. وكان ليكون خشبة الخلاص لهذه البلاد من هذا الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي- الأخلاقي- الوجودي الذي نعيشه كل يوم. 

رحل المعلّم، واستمرّ القتلة بمحاربة مشروعه حتى يومنا هذا. فمشروعه نقيضٌ لحقدهم، وإجرامهم، ووصوليتهم، وتلوّنهم، وتطرّفهم، وغاياتهم المشبوهة.

 رحل المعلّم، واستمر القتلة بمطاردة، وترهيب، ومحاصرة، واغتيال رفاقه في الحركة الوطنية، وكل الوطنيين الذين آمنوا بصوابية مشروعه، وبحق هذه البلاد بالقيامة، والحياة، والسلام. 

كمال جنبلاط، فرصةٌ ضائعةٌ، وحلمٌ أكبر من مساحة الشرق، وفكرٌ إنساني لا بد أن ينتصر يوماً ما، وإلّا نكون قد هُزمنا جميعاً.