Advertise here

كمال جنبلاط وشياطين السياسة... لبنان الذي لم يولد بعد

06 كانون الأول 2020 07:26:32

أطلّت ذكرى مئوية لبنان الكبير ومعها أخطر العواصف التي هددت هذا الوطن الصغير، حتى وصلت تحذيرات العالم الى حدّ الخوف من زواله، فالدولة الى مزيد من الانحلال ووجه لبنان الاقتصادي يواجه التغيّرات الكبرى من دون رؤية من أصحاب القرار، وذلك كلّه على أنقاض آخر ما تبقى للمواطن من مقومات صمود، بدءاً من رغيف خبزه وصولاً الى حبّة دوائه.

 

ووسط هذا السواد، تطلّ ذكرى ميلاد الشهيد كمال جنبلاط، ولا همّ لدى الناس سوى معرفة مصيرهم وأي غدٍ ينتظر أولادهم. ينتظرون بطاقة قد تقيهم البرد أو الجوع بعدما شحّت حسابات المصارف من العملة الصعبة، ويقفون وحدهم في وجه شبح الفقر الذي اقترب كثيراً من بيوتهم.

هؤلاء الذين ناضل من أجلهم كمال جنبلاط، حتى وصفه الشاعر شوقي بزيع عشية اغتياله بأبي المساكين الذين ينتظرون رجوعه، سائلا: "أرض الخسارة يا لبنان هل رجل يعيد للناس بعد اليوم ما خسروا؟".

وهذا ما يحتاجه اللبنانيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، يحتاجون أباً لهم يعيد الكرامة المسلوبة والدولة المسروقة والثروة الضائعة.

فكمال جنبلاط مارس السياسة بأخلاقه أولا وبرؤية المفكّر وبانفتاح العلماني، فخاصم وتحالف لكنه حمل دائما مشروعه الوطني من أجل لبنان الغد، وتولّى الحقائب الوزارية بمشاريع انمائية وطنية في الاقتصاد والزراعة وتعزيز المؤسسات الضامنة من أجل العدالة الاجتماعية وتلك الرقابية لتحصين هيبة الدولة.

فلو طُبق مشروعه "من أين لك هذا؟" لكنّا بغنى اليوم عن كل سجال التدقيق الجنائي وتهريب الأموال الى الخارج وسرقة المال العام ونهب خزينة الدولة وفضائح الاثراء غير المشروع.

وأما كمال جنبلاط العلماني فلو نجح بتطبيق مشروعه الاصلاحي لما وصلنا الى كل الحروب العبثية، فطرح قانون الانتخاب على الاساس النسبي وخارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة واحدة، مناديا بالدولة المدنية العلمانية المتحررة من كل قيد طائفي، وبتطبيق اللامركزية الادارية، فاذ به يسقط شهيداً ومعه تموت تلك الأحلام بوطن سيد حر مستقل.

يحتاج لبنان اليوم الى أمثال كمال جنبلاط، الذين يجرأون على عبور جسر الخلاف مع شريك الوطن تجنبا للخراب، ويجرأون على رفض التعليمات العابرة للحدود حفاظا على الفكرة اللبنانية والنموذج اللبناني، هذا الرفض الذي كلّفه حياته.

يحتاج لبنان لرجال يحكمون باسم الناس ومن أجلهم ويتولون المناصب تكليفا لا تشريفا.

 

كمال جنبلاط علم باكراً شرّ السياسة وحاول الهروب منها، وكان يقول إنّ السياسة لعبة صبيان على شاطئ رمل فالأفضل للفرد ان يهرب منها. ولذلك "كان حلمه أن يترك السياسة وأن يؤسس بيت الحكمة في بيروت أو في دار المختارة وأن يجمع حوله كبار المتصوفين والمفكرين والعلمانيين وغيرهم وأن يكون هناك نقاش في مختلف الأمور وأن ينشر كتبا ودراسات وأبحاثا"، كما يقول عنه الوزير السابق محسن دلّول.

 

فالسياسة في لبنان لا تتسع لأمثال كمال جنبلاط وسط الشياطين.