Advertise here

كمال جنبلاط "أدّب" السياسة

05 كانون الأول 2020 16:02:20

لا شكّ في أنّ كمال جنبلاط كان خارج المألوف السياسي "التقليدي"، ليس فقط في لبنان بل ربما في العالم، وخاصةً في في العالم العربي الذي امتهن شعبوية الشعارات الزائفة. فالسياسة بجوهرها هي إدارة شؤون الناس، (أي الإنسان)، وقيادتهم نحو الأفضل، ومواكبة أمورهم الحياتية وحاجاتهم بصدقٍ وأخلاق. فالإنسان هو الهدف الأول والأخير. وكان يرى أن لا قيمة للمبادئ، والعقائد، والأفكار، والشعارات، إذا لم تكن في خدمة الإنسان. 

وقال بالحرف: "إذا كان القصد من الأيديولوجيات والعقائد السياسية تقويض أخلاق الانسان... فلا كانت الأيديولوجيات، ولا كانت العقائد، لأن الإنسان هو الأساس، وهو الغاية".

ولذلك كان كمال جنبلاط يرى في السياسيين عندنا أنهم يمارسون ويفعلون عكس ما يقولونه، ويستشهد بقول السيّد المسيح: "اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم"... فالمقدّس هو وحده "الإنسان".

ويبقى أن الإنسان هو محور كل شيء، ونقطة الارتكاز في كل عمل، ولا يمكن أن يتطور إلّا بالحرية بأقانيمها الثلاثة: السياسية، والفكرية، والاقتصادية، ومن أجل ذلك كانت الاشتراكية الإنسانية "الجنبلاطية" إذا صحّ التعبير. 

ولذلك تبنّى نهجاً يتناقض مع فكر الأنظمة "التوتاليتارية"، كما يتناقض مع الديمقراطيات الغربية حيث أن الإنسان الفرد فيها مجرّد رقم وآلة. ولذلك أكّد كمال جنبلاط في "ميثاق الحزب" على، "سلامة العنصر البشري والمحافظة على سلامة النسل، والاعتناء بالجسد والغذاء".. وأنّ الإنسان الفرد يتّجه أكثر فأكثر نحو الحرية، والعدالة، والمساواة، فـ"لا ميزة لامرئٍ على امرئٍ إلّا ميزة المعرفة والنشاط". ولذلك ركّز على قيمة الفرد.

ولعله توقّع انحدار المستوى السياسي والأخلاقي في لبنان، فأكّد على، "التنوّع ضمن الوحدة"، لأنه ربما رأى أن بعض اللبنانيين يسيرون، وبسرعة، باتّجاه الانقسام، والعنصرية، والدويلات وصولاً إلى مقولات "الأجناس" البشرية "المميّزة التي بشّر بها هتلر الذي نادى بـ"التطهير العرقي"، و"سيادة الجنس الآري". فكم من "هتلر" لبناني وعربي وعالمي؟؟.. فالآخر عندهم "أدنى". وكم سمعنا شعارات "يا أشرف، ويا أنبل الناس، ويا أصدق الناس، ويا، ويا..."!!!

"الأميّة" السياسية تنمو، للأسف، بسرعة. ومشكلة بعض السياسيين أنّهم لا يقرأون، أو لا يُجيدون القراءة، وإلّا لكنّا نصحناهم أولاً بقراءة كتاب "أدب الحياة"، وقراءة كمال جنبلاط الفيلسوف، والمفكّر، والإنسان...

كتاب "أدب الحياة"، وفيه أدب المخاطبة، وأدب الكلام، وأدب "الحياء"، نهديه إلى أغلبية السياسيين، ونخصّ به بشكلٍ محدّد مَن هم على "رأس الهرم" ومن هم "هواة وأقزام" السياسة، علّهم "يتأدبون".

الذين قتلوا كمال جنبلاط إنّما قتلوا الجسد، ومزّقوا "القميص"، أمّا هو فباقٍ، باقٍ، باقٍ، وسيبقى يقضّ مضاجع القتَلة إلى أبد الآبدين، فهو يُولد من جديد.

نحن على دربك سائرون، و"قوى الحياة البنّاءة الماثلة في خطى التطوّر البشري المحتوم" ستنتصر حتماً. فحركة تطوّر المجتمعات لن يُوقفها أحد، ولا الاغتيالات والتصفيات قادرةٌ على وقف مسار التاريخ. ومخطىء كلّ من يعتبر أنه يمثّل ظلّ اللّه على الأرض، أو أنّه يمتلك وكالةً شرعيةً منه.

وكمال جنبلاط هو القائل: "الموت هو الدخول في السكونة، والمعرفة تحرّر"...
 
تحية لك يا "معلّم" أينما حللت. فالقمر لا زال يدور فوق دارك ويستدير. ولم يغِب... وستبقى "دار المختارة" منبراً للحريات، وجامعة وملجأً لكل اللبنانيين، ولكل العرب، ولكل الفارّين من سجون أنظمتهم التي تخاف شعوبها، ولكن التغيير آتٍ لا محالة.
وكمال جنبلاط كان يقول: "في العالم العربي يعيش الحاكم في خوفٍ مستمرٍ من انطلاقة الجماهير، ومن تفكيرها، وفي خشيةٍ دائمةٍ من الأدباء، والشعراء، والمثقفين، والمفكّرين، وفي تحسُّبٍ لما قد يحصل". 

مشكلة كمال جنبلاط الكبرى، وربما الوحيدة أنه سبق التاريخ بأفكار.
وكان يقول:
"الحياة ليست إلّا سبات عميق"...
"الموت والولادة ليست إلّا حلم"..

كمال جنبلاط ترك لكم أدب الحياة ورحل.
فهل، ومتى، "يتأدّب" السياسيّون؟"...