دار القمر واستدار

04 كانون الأول 2020 14:07:00 - آخر تحديث: 04 كانون الأول 2020 15:02:52

دار القمر واستدار، ونوره لم يكن خافتاً في تلك الليلة، فإذا به متدفقاً متلألأً على ناصع البياض الذي كان يعكسه ليملأ الأرض والسماء ضياء. وكانت عبقة العطر تفوح من جدران القصر، ونفحة البهاء أسدلت ثمارها لتعلن أن نفساً مطمئنةً حطّت رحالها في قصر المختارة. وُلِدَ كمال جنبلاط.

نعم، هي تلك النفس المطمئنة الآتية من قبس النور إلى ترابية الجسد لتلبس صورة الوجود، وتدخل عالم الحياة. عالم الجهد والتكليف. عالم المقارعة بين الحق والباطل، فكان منذ نشأته مكلَّفاً بإنسانيّته تجاه الإنسانية جمعاء، منطلقاً من بيئته، ومن محيطه الاجتماعي، رافضاً العقلية التقليدية السائدة في ذلك الوقت، مزيلاً الفوارق بين الطبقات، معلناً تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي، مرسخاً مبدأ الإنسان هو الغاية، وأنّ الوطن الحر المستقل، بنظامه الديمقراطي العلماني الذي تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية، هو الوطن الذي تتحقق معه هذه الغاية.

لم يكن المعلّم القائد كمال جنبلاط قيادياً سياسياً ككل الساسة، بل كان المفكّر العقلاني الملتزم بممارسة ما آمن به من أفكار ومبادئ بصدقٍ وجرأة.

ففي الحزب كان الرفيق لجميع الرفاق يجالسهم ويناقشهم في جميع  القرارات والمواقف. وما يميّزه عنهم  شيء سوى سعة معرفته، وعلمه، وقراءته المسبقة للمتغيّرات، والأحداث السياسية والاقتصادية المحلية، والإقليمية،  والعالمية، والتي كان يحلّلها ويشرح دقائقها وتفاصيلها، ويناقشها معهم في كل مناسبة.

كان القائد  الاجتماعي المتفهّم لمجتمعه، المتعاطف مع همومه وشجونه، الساعي لتقدّمه وتطوّره في كل المجالات. وكيف لا، وهو العرفاني المتيّقن، المدرك لسر التكوين، وغاية الوجود، والشفّاف الروحاني، المؤمن باللّه الواحد الأحد الذي لا يمكن أن يحتكره دينٌ، أو طائفة، أو مذهب.

وفي الندوة البرلمانية كان نائباً ممثّلاً للشعب اللبناني خير تمثيل، فهو المُدافِع دوماً عن قضايا العمال والفلاحين والطبقات المقهورة من الشعب اللبناني، حتى اشتُهر بلقب "أبَ المساكين".

كان المؤمن المُدافِع عن لبنان السيادة والاستقلال، عن لبنان الكيان، العربي الانتماء، ذي الخصوصية التعددية، المنفتح على الغرب، المتحرّر من قيود التبعية الإقليمية والدولية، والوطن النهائي لجميع أبنائه، والذي يحكمه نظام  الدولة المدنية التي تسودها المساواة، دولة القانون التي لا تميّز بين مواطنٍ وآخر بالحقوق والواجبات.

وفي القضايا العربية كان شغله الشاغل، وهمّه الأكبر، القضية الفلسطينية التي حملها في قلبه وضميره مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني بتحرير أرض فلسطين المحتلة، محرّضاً على وحدة الموقف العربى في التصدي للعدو الإسرائيلي الذي كان يسعى إلى قضم الأراضي العربية الواحدة تلو الأخرى، والأنظمة العربية غارقةٌ بفسادها، وبقمع شعوبها. 


دار القمر، واستدار ستون عاماً. ملأ الدنيا، وشغل الناس، ثم سافر في ظلال النور ليبقى فينا وينتصر .

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".