في السادس من كانون الأول من العام 1917، تجسّد الفكر النيّر الذي لا ينضب: التقدمية، الإنسانية، العدالة، الثورة، الحكمة، الكبرياء والشموخ، في شخص رجلٍ واحد... وأي رجلٍ؟!
رجلٌ أتقن الأدب والشعر، وغاص في الفلسفة والعلوم، فأغنى المكتبات العربية والعالمية بمؤلفات ووصايا، لو قُدِّر تنفيذها والعمل بها لكنّا اليوم بأفضل حال.
رجلٌ قرأ المستقبل كما لم يفعل أحدٌ من قبل، فصرّح عام 1960، بأنَّه "ستفاجئنا من الآن إلى عشر سنوات، لا أكثر، أحداثٌ جسام لا نفقه لها معنى، ولا نعرف كيف نتلقّفها لكي نتدبّر انعكاساتها على المجتمع والاقتصاد والسياسة في لبنان"، فكان الرؤيوي الواقعي.
رجلٌ احترف السياسة باعتبارها "مسلكاً شريفاً، لأن لها علاقة بقيادة الرجال وتوجيههم"، فكان "صانع الرؤساء" في لبنان.
رجلٌ امتهن الحرية قولاً وفعلاً، وأراد منها أن تكون سمة النظام اللبناني، والأنظمة العربية، فما مِن كلمة أخرى ردّدها أكثر من "الحرية" في كتاباته، منذ بداياته في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، فكان "مفكّر الحرية" دون منازع.
رجلٌ استشعر الخطر الداهم على البيئة، وحذّر منه قبل ما يقارب الخمسين عاماً، فكان "البيئي السابق لعصره".
رجلٌ أحبّ العمّال والفلاحين وأحبوه، "هؤلاء الذين ليس على صدورهم قميص سيحرّرون العالم"، وناضل على مدى سنواتٍ طوال من أجل حقوقهم، فعرف بـ "أب الفقراء".
رجلٌ جسّد موقفه من حقوق المرأة منذ العام 1951، بمشروع قانون بمادة وحيدة نصّ على حق المرأة في أن تكون ناخبة ومنتخَبة للهيئات الاختيارية، والبلدية، والنيابية. وقد دفع باتّجاه التصدّيق على هذا المشروع من قِبل مجلس النواب في العام التالي (سنة 1952)، ليكون بذلك لبنان سبّاقاً في المنطقة العربية، في منح المرأة اللبنانية حقوقها السياسية.
رجلٌ آمن بالشباب وبقدرتهم على التغيير، وبدورهم النخبوي في بناء المجتمعات، إلّا أنّه كان دائم القلق على مصيرهم، لا سيّما الشباب العربي والشباب اللبناني، فدعاهم للانخراط، "في العمل المثمر، والمسؤولية المهنية الإيجابية..."، وطالب بفتح آفاق الحياة السياسية أمامهم لما لهم من دورٍ محوري في حياة الشعوب.
وبعد... هذا غيضٌ من فيض رجل بألف رجل استحقّ عن جدارة لقب "المعلّم".
"كمال جنبلاط"، كلمتان فقط تختصران كل ما سبق ذكره وأكثر، لأنّه ما من أحدٍ بإمكانه اختزال "المعلّم" بنصٍ أو بمقال، ولا حتّى بمجلدات من الكتب، بل على العكس، "كمال جنبلاط" يختصر في شخصه تاريخاً مجيداً ومشرّفاً، مكلّلاً بالغار، ومستقبلاً مفعماً بالرجاء، والأمل، والطموح، وسنبقى نتوق إليهما توقنا للحياة التي أرادها لنا معلّمنا وقائدنا، "مواطنٌ حر، وشعب سعيد".