صدر عن جمعية كمال جنبلاط الفكرية، البيان التالي:
تكثر المقالات، وتتراكم البيانات، في ذكرى السادس من كانون مستذكرةً مزايا وصفات المعلّم الشهيد كمال جنبلاط، تستذكره وتناجيه في عصرٍ تهاوت فيه كل الإيديولوجيات والقيَم، وفي عصرٍ سقطت فيه الصراعات الطبقية والفكرية، وفي عصر برزت فيه شتى أنواع التعصّب المذهبي والتقوقع الطائفي.
لم يكن اغتيال المعلّم الشهيد تصفية حسابات سياسية قديمة، بل كان مقدمةً لتصفية الحساب مع كل القوى الوطنية والتقدمية لتحويل الصراع في لبنان من مطالبة بإقامة وطن تقدمي عصري علماني، إلى وطنٍ تتناحره الطوائف والمذاهب، ويتوزع المواطنون فيه بالتراتبية وفق عدد مذاهبهم. فمَن ينتمي للمذاهب الكبرى يُعيّن في أعلى المراكز، ويتولى مسؤوليات رسمية، أما مَن ينتمي إلى الطوائف الصغرى يبقى له الفتات.
وبالتالي أصبح للمواطنية درجات لا تمتّ بما يقدّمه الإنسان لوطنه على الإطلاق، بل بما يحيط به من أبناء ملّته، كما وأن المحاصصة أصبحت العنوان الأبرز في تشكيل الحكومات، والتعيينات الإدارية في الدولة.
تشرذم المواطنون، ولم يعد لهم دورٌ وطني في أي تحرك مطلبي، وحتى القضايا المطلبية أصبحت مرتهنة بالانتماءات المذهبية. فالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد لم يشهد لبنان مثيلاً لها، والمظاهرات، إن حدثت، تكون عشوائية وتفتقد للقيادة الحكيمة التي كان يجسّدها المعلّم الشهيد ويرخي بظلاله عليها. أمّا رجالات الدولة فحدّث ولا حرج، فلم يعد هنالك وجود لهم كما كانوا في السابق، فالمسؤولون الحاليون انغمسوا في الفساد، وسبّبوا الهدر في خزينة الدولة لاضطرارهم تمويل الجهات التي ينتمون إليها بعد توقف التمويلات الخارجية لهم.
وليكتمل المشهد الكارثي، تكلّل الانهيار الاقتصادي بالانهيار الصحي مع انتشار فيروس الكورونا. هذا الفيروس الذي حلّ على لبنان في ظل حكومة مستقيلة وغائبة عن السمع، وحيث يوجد شعب لم يدرك خطورة المرض، في ظل فقدان الوعي والحسّ بالمسؤولية.
إن مَن حبك خطة الاغتيال كان يدرك تماماً أن مفتاح القضاء على لبنان، والسيطرة عليه، يبدأ بإزاحة كمال جنبلاط عن الساحة اللبنانية باغتياله جسدياً. وكانت الأجواء الدولية والإقليمية تدفع باتّجاه ضرب الفكرة الوطنية التقدمية في لبنان، والضرب على الوتر المذهبي، وكل الأحداث التي تلت الاغتيال تثبت ذلك.
مع غياب كمال جنبلاط انتقلنا من المعنى الحقيقي للنضال من أجل الإنسان، إلى صراعات وتجاذبات أدخلتنا في نفق مظلم أرخى بظلال اليأس والإحباط في نفوس المواطنين. انتقلنا من عصر الثورة إلى عصر الخيبة.
كتب المعلم الشهيد منذ أكثر من 45 عاماً كلاماً وكأنه حاضر بيننا اليوم: «كفانا أننا قد أصبحنا في العالم كلّه مضغة أفواه، وأن يقال عنا ما يقال في الخارج، «بلد الدكان، بلاد الفساد والاتّساخ المادي والمعنوي، بلد الفوضى والاستهتار بجميع القيَم. بلد الاحتكارات التي لا ترضخ لضريبةٍ ولا لقانون. بلد العصابات والميليشيات. بلد التقاتل الطائفي، والعصبيات الدينية المتناقضة. بلد الأحقاد. بلد تصدير المخدرات. بلد التمييز. بلد التكاذب المشترك، لا التعايش المشترك».