Advertise here

إيران بين مطرقة الاغتيالات وسندان الرد على الرد

02 كانون الأول 2020 12:29:58

اتّهمت إيران جهاز الموساد الإسرائيلي ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارِضة، بتنفيذ عملية اغتيال العالِم النووي محسن فخري زاده. وقال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، إن "أجهزة الاستخبارات كانت قد توقعت احتمال وقوع الحادث ومكانه المحتمل، وقد اتُّخذت إجراءات الحماية اللّازمة. لكن بسبب تواتر الأخبار على مدى 20 عاماً لم يتم العمل بالجدية المطلوبة، إلّا أنّ العدو استخدم هذه المرة أسلوباً جديداً تماماً ونجح"، مشيراً إلى "عملية معقّدة استُخدمت فيها أجهزة إلكترونية، ولم يكن ثمة أي شخص في المكان".

تلفزيون "برس" الإيراني الناطق بالإنجليزية، ذكر "أن السلاح الذي استُخدم في اغتيال فخري زاده، والذي انتُشل من موقع الجريمة، يحمل شعار ومواصفات الصناعة العسكرية الإسرائيلية". فيما ذكرت وكالة "فارس" أنه، "اغتيل بسلاح آلي يعمل بجهاز تحكّم عن بعد"، في حين قالت قناة "العالم" الناطقة بالعربية إن، "الأسلحة المستخدَمة في اغتيال زاده تم التحكم فيها عبر الأقمار الصناعية". وقال شهود عيان للتلفزيون الرسمي إنه كان هناك مسلحون قرب السيارة.

وفيما كانت إيران تشيّع فخري زاده، رئيس منظمة الأبحاث والإبداع التابعة لوزارة الدفاع، بمقر وزارة الدفاع في طهران- وبمشاركة رسمية، وحضور محدود لمسؤولين عسكريين ومدنيين، ومن بينهم قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد فيلق القدس العميد إسماعيل قاآني، ورئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي، ووزير الاستخبارات محمود علوي- تلقّت خبر اغتيال القائد في الحرس الثوري، مسلم شهدان، وثلاثة من أفراد حمايته على الحدود العراقية- السورية، لكن من دون أن تعلن عن طريقة الاغتيال، وما إذا كانت بطائرة مسيّرة، أو بعملية اغتيال بطريقة أخرى.

العالِم زاده، الذي يُعرف بالعقل المدبر للمنظومة النووية والصاروخية الإيرانية، وأبو القنبلة النووية، سيعكس غيابه آثاراً سلبية كبيرة على تطوّر البرنامج النووي الإيراني ومنظومته الصاروخية الدفاعية والهجومية، بحيث أن تلك العملية لها تأثيرٌ أكبر على إيران من تلك التي قضى بها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، واليد الحديدية للثورة الإيرانية. كما أن عمليات الاغتيال المتلاحقة التي تطال قادة إيرانيين، وما سبقها من عمليات تفجير وتخريب لمواقع عسكرية ونووية حسّاسة، تبيّن هشاشة القدرة الإيرانية على الحماية والسيطرة، وضعف الأجهزة الاستخباراتية التي تشكّل عنصر الردع الأول في أجهزة القوة العسكرية. وإذا كانت تلك العمليات تدفع عادة باتجاه تفعيل، وتجديد، وتطوير القوة الاستخباراتية والأمنية، فإن المراقِب للحدث الإيراني الداخلي والخارجي، منذ اغتيال سليماني وحتى اغتيال زاده، يرى عكس ذلك حيث تبدو تلك الأجهزة أكثر هشاشة مما كانت عليه.

عملية اغتيال العالم النووي، وضعت إيران في موقع محرج بين ضرورة الرد لحفظ ماء الوجه، والقلق من صاعقة الرد على الرد التي قد تتلقاها فيما لو أقدمت على تنفيذ أي عملية انتقامية. فالتوقيت الفاصل لانتقال الإدارة الأميركية ليس لصالحها، وقوة الردع الأميركية، والحشود العسكرية في المنطقة، تمنعها من القيام بأي عمل عسكري يتجاوز حدود اللعبة العسكرية الدائرة في المنطقة من اليمن إلى بيروت مروراً بالعراق وسوريا، فأي عملية خارج هذا السياق المحدود السقوف تضع إيران على فوهة بركان ملتهب. وبالتالي، فإن ما قاله وزير الدفاع، العميد أمير حاتمي، عن أن "العدو يعلم جيداً أن أي جريمة لن تمر من دون ردٍ من قِبل الشعب الإيراني، وسنلاحق الجناة بكل تأكيد، وسيتم تنفيذ أمر القيادة"، وما سُرّب من معلوماتٍ عن أن الخامنئي قد أعطى توجيهاته للرد الانتقامي على مقتل زاده، يتناقض مع ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة متلفزة إن، "الأمة الإيرانية أذكى من أن تقع في فخّ المؤامرة التي نصبها الصهاينة. هم يفكّرون بخلق فوضى، لكن عليهم أن يدركوا أننا كشفنا ألاعيبهم، ولن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة"، مشيراً إلى أن بلاده "ستردّ على هذه الجريمة في الوقت المناسب". وقال في بيانٍ له على الموقع الرسمي للحكومة، إن "سياسات إيران العلمية والدفاعية لن تتغير بسبب اغتيال عالمٍ، أو جنرال." وأضاف أن بلاده، "يجب ألّا تقع في فخّ ربط الاغتيال بالمفاوضات النووية السابقة".

وفيما أشار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أن "عملية اغتيال زاده ناجمةٌ عن زيارة بومبيو إلى المنطقة، والاجتماع الأميركي- الإسرائيلي- السعودي بالمملكة"، وقال إن "داعمي الضغوط الأميركية القصوى يسعون في آخر أيام إدارة ترامب إلى إثارة الاضطراب في المنطقة، وتدمير الأجواء التي قد تؤدي إلى رفع العقوبات".

الكلام الإيراني المتناقض حول عملية الرد على جريمة اغتيال زاده، يُظهر حالة الارتباك في الموقف. فالقلق من الحشود الجوية الجديدة بعد استقدام طائرات B52، وقبلها الحشود البحرية من حاملات طائرات وغواصات، تمنع إيران من التفكير بعملية الرد، وذلك لا يمنع من استمرار إسرائيل بنشاطها المكثّف ضد الوجود الإيراني في سوريا، وهو الشكل الرئيسي في المعركة التي تتابعها تل أبيب دون أي قلق من إمكانية الرد الإيراني، لا من سوريا ولا من غير سوريا، فالسيف المسلّط على رأس إيران في لبنان وسوريا هو احتمال توجيه إسرائيل ضربة قوية لحلفائها مرتبطٍ بردود الفعل وليس بالفعل، خاصةً وأن الضربات الإسرائيلية مستمرة على وتيرتها داخل سوريا، وهذا النشاط يرتبط بما تريده إسرائيل من الإدارة الأميركية الجديدة في المرحلة المقبلة.


إمكانية الرد الإيراني المتوقعة، وفق بعض الخبراء، قد تكون من خلال الحوثيين في اليمن. وهذا ما ألمح إليه ظريف بربطه اغتيال العالم زاده باللقاء الإسرائيلي- الاميركي- السعودي، والذي قد يدفع باتّجاه خلق وقائع جديدة تدفع إلى حسم تلك المعركة وإنهائها لناحية إراحة الرياض من جهة، وإنهاء التهديد الإيراني لمضيق باب المندب من جهة ثانية، وهو ما يضع الإدارة القادمة إلى البيت الأبيض أمام وقائع جديدة تمنعها من تقرير مصير هذا الصراع إلّا من النقطة التي وصل إليه ميدانياً، ما يجعل من البنتاغون غير قادرٍ على تقديم الهدايا المجانية، ويصبح على إيران أن تقدّم التنازلات في مفاوضاتها السرية قبل الولوج إلى الحل النهائي بما يتناسب ومصلحة المؤسّسة الأميركية العميقة. ويستند الخبراء في توقّعهم على مراقبة التصرّف الإيراني اليومي الميداني في سوريا والعراق، بحيث يرى البعض منهم أن القضية لم تعد تحتمل نشوب حربٍ واسعة، ولا ضربة أميركية كبيرة.