بدَّدت جائحة كورونا التي أُضيفت إلى المشكلات الهائلة التي يعاني منها العالم، غالبية الآمال التي كانت تنتظر البحبوحة والسلام. وعاش العالم سنة كاملة من االفوضى والضياع، تخللها تراشُق وتباعد، وفكفكة لبعض ما كان قائماً من العقود، وكادت منظومة الأعراف الدولية وسياقات التنسيق والتعاون أن تتلاشى الى الحدود الدنيا؛ لولا بعض المعطيات التي ظهرت على المسرح الدولي، ومن بينها نجاح قمة دول مجموعة العشرين التي إستضافتها المملكة العربية السعودية، وترأسها إفتراضياً عبر الأثير المرئي الملك سلمان بن عبدالعزيز في 21 و22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020.
المجموعة التي أُسست على مستوى وزراء المالية عام 1999، ومن ثمَّ تحولت اجتماعاتها الى قمة سنوية لرؤساء دول مجموعة العشرين الذين يديرون ما يناهز 80 في المئة من اقتصاد العالم، وتضمّ دولهم ثلثي سكان الأرض. وكانت القمّم التي تجمع هؤلاء مناسبة للتباحث بالقضايا العامة التي تهم البشرية، وفرصة لعقد لقاءات ثنائية تتبلور منها عناوين لتحالفات دولية محورية، غالباً ما كانت تُظهِّر إنقسامات قارية او جهوية، بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، أو بين رؤى مختلفة حول تقييم مدى صوابية المقاربات التي تعتمد على الفتح الكامل للأسواق من جهة، والمطالبة بتقييد حركة هذه الأسواق من جهة ثانية... وكان لقضايا حساسة مثل المناخ وديون الدول الفقيرة والصراعات الإقليمية، دوراً محورياً في توفير بيئة ساخنة للإنقسامات.
قمة الرياض الافتراضية لمجموعة العشرين تهيبت من الأخطار التي تواجه البشرية، وكانت مختلفة عن سابقاتها من حيث محدودية التباين، او الاختلاف بين المشاركين. وقد يكون للرئاسة السعودية دور في تخفيف منسوب الاحتقان، ذلك أن ديبلوماسية الرياض الرقمية أكبت في الأشهر الأخيرة على تدوير الزوايا الحادة، وبدَّدت بعض المخاوف التي كانت مطروحة، بما في ذلك إجراء إتصالات مع الرئاسة التركية قبل موعد القمة، لأن العلاقة السعودية – التركية لم تكُن على أحسن حال، جراء التباين حول مجموعة من الملفات، منها إستغلال حادثة مقتل جمال خاشقجي، ومنها ايضاً التدخلات التركية في بعض الشؤون العربية الداخلية. وقد أمَّنت الجهود السعودية مشاركة كاملة للرؤساء العشرين في القمة، بما في ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنهمك بنتائج الانتخابات التي لم تكُن لصالحه.
مجموعة المقررات التي صدرت عن القمة، أرخت بظلال دافئة على بعض جوانب الاختناق الذي يعيشه العالم، ولو كان بعض الأوساط في الدول الأكثر فقراً تأمل في تحقيق نتائج أكثر فاعلية، خصوصاً لناحية شطب الفوائد وجزء من الديون التي ترزح تحتها هذه الدول والتي تُكبل اقتصاداتها. لكن قرار القمة بتعليق سداد هذه الديون حتى نهاية 2021؛ أعطى بعض الأمل لهذه الدول للإنكباب على معالجة إختناقاتها الداخلية. كما أن رصد القمة لمبلغ 21 مليار دولار أميركي لمكافحة وباء كورونا، كان أيضاً عاملاً مريحاً، خصوصاً بعد تأكيد الملك سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة إيصال اللقاحات الى كل الشعوب، بما في ذلك الى الدول غير القادرة على تسديد ثمنها الباهظ.
موافقة القمة على اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتخصيص 11 مليار دولار لتحفيز النمو الاقتصادي العالمي بعد الانكماش الذي أصابه جراء جائحة كورونا، وتخصيص جزء من هذا المبلغ لدعم اقتصاد الدول المتعثرة، ساهم أيضاً في توفير مناخ من الإرتياح، ذلك أن ماكرون استند لتسويق اقتراحه على توصيف التعثُر الكبير الذي يصيب الاقتصاد العالمي، خصوصاً في الدول الأكثر فقراً.
اما ملفات البيئة ونظافة الهواء والمناخ ومراقبة الثروات الطبيعية التي تؤمن الاستقرار للتنمية المُستدامة، فقد تناولتها القمة بعناوين مُرضية، ولكن العبرة تبقى، كما دائماً، في التنفيذ، لأن الرئيس الأميركي ترامب الذي كان يعترض على القيود التي يسببها اتفاق باريس للمناخ للعام 2015 على الصناعة، لم يُثر أي من النقاط الخلافية السابقة في قمة الرياض، ولم يُشاكس في أي من الملفات الأُخرى، وبدا مُنهكاً على الشاشة التي نقلت وقائع المؤتمر الافتراضي، وكان ودوداً تغلُب على ملامحه إشارات الوداع.
يؤخذ على مؤتمر قمة العشرين الأخير أنه لم يتطرق الى أي من الأزمات الإقليمية الساخنة، وقد عاش العالم في 2020 لحظات عصيبة من الحروب الصَلفة في أكثر من مكان، وغالبيتها ناتجٌ عن تدخلات خارجية لدول ينتمي بعضها الى مجموعة العشرين، لكن الغوص في هذه الملفات ربما كان سيؤدي الى إنتاج عوامل تفجير للمؤتمر.
عندما ينتهي العالم من كابوس جائحة كورونا، لا بُد من إثارة نقاش واسع حول مجموعة كبيرة من التحديات الجديدة، وحول الملفات الدولية التي لم يَعُد جائزاً الإبقاء عليها كما هي اليوم، وهي لم تعُد قابلة لمزيدٍ من التأجيل.