Advertise here

المطلوب «إدارة الفقر» حتى الصيف... وإيران لن تُفاوض قبل إنتخاباتها الرئاسية!

27 تشرين الثاني 2020 08:28:04

سيزداد الأفق انسداداً. اليوم ستتبارى الكتل البرلمانية في الجلسة العامة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب لمناقشة مضمون رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. ستعلو أصوات للمطالبة بشمول التدقيق إدارات ومؤسسات الدولة. وقد تقدّم النائب علي حسن خليل باسم «كتلة التنمية والتحرير» باقتراح قانون لإخضاع الإدارات والمؤسسات العامة للتدقيق الخارجي الجنائي. هي على كل حال، جلسة مناقشة لا شيء ملزماً فيها، وإن كان ليس واضحاً مآلها، في ضوء الفرز السياسي والطائفي الذي قد تُظهّره. كل ما يجري من حصر التدقيق بمصرف لبنان ومن طرح لتعميمه على كل الإدارات، لا يعدو كونه محاولة لتصفية الحسابات مع الماضي، من دون رغبة في البناء الفعلي للمستقبل.

يزداد الأفق انسداداً، وسط ارتفاع منسوب الخوف من الآتي من الأيام، حين ينفدُ ما تبقى من احتياط مصرف لبنان الذي يقول إنه قادر على تأمين الدعم للفيول والطحين والدواء وبعض السلع حتى نهاية السنة على أبعد تقدير. دعم أظهر مدى قوة المافيا ومَن يحميها، بحيث إن المواد والسلع المدعومة تمّ تصدير شحنات عدة منها إلى الخارج. ما ظهر على الرفوف في الكويت وتركيا ليس سوى نموذج عن السرقات الكبرى التي حصلت تحت يافطة الدعم، فالبضائع وصلت حتى أفريقيا وأميركا اللاتينية عبر التفاف على القوانين وتواطؤ بهمّة القيّمين على الرقابة.

وبعد الخراب، سيأتي ترشيد الدعم، والاتّكال على سرقة مزيد من أموال المودعين، عبر الحديث عن اتجاه إلى تخفيض الاحتياط الإلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان بنسبة 10 إلى 15 في المئة بما يُتيح لنفسه التصرّف بنحو مليارين ونصف مليار دولار من أموال المودعين لتمويل جديد للمافيا التابعة للمنظومة والمغطاة منها. فحتى لو صدر نفي من قبل أوساط مصرف لبنان عن الاتجاه للمسّ بالاحتياط الإلزامي، فإن هذا الأمر هو موضع بحث على أقله منذ أشهر عدة. والاعتقاد بأنه سيتم في النهاية مدّ اليد على ما تبقى من أموال المودعين حتى الإجهاز عليها.

كل السياسات المعتمدة ستؤدي إلى تسريع إفقار اللبنانيين، الذي بات عملية ممنهجة. ليس ثمّة مؤشرات لإمكان حصول ما يحول دون «الارتطام الكبير». لا اتجاه لتأليف حكومة تُرضي المجتمع الدولي وتتّجه للعمل مع صندوق النقد الدولي وفق برنامج صارم، وتقوم بالإصلاحات المطلوبة، على أقله في المدى المنظور.

كل ما هو مطروح حالياً لا يخرج عن بحث كيفية إدارة الفقر. ومؤتمر المساعدات الإنسانية الذي ستعقده فرنسا في الثاني من كانون الأول بالتعاون مع الأمم المتحدة يأتي في هذا الإطار. وبدا معبراً كلام الرئيس الفرنسي، في رسالته لرئيس الجمهورية، حين توجّه إلى اللبنانيات واللبنانيين الذين يعانون بيومياتهم قائلاً إنه «بمقدورهم أن يعتمدوا على دعم فرنسا في تلبية حاجاتهم الملحة في ميادين الغذاء والصحة والتربية والمسكن». فما يُحكى عن ترشيد للدعم سيترافق مع توزيع بطاقات مساعدات لنحو 55 في المئة من العائلات اللبنانية، ضمن برنامج الأمم المتحدة للأسر الأكثر فقراً. ستلتحق الطبقة الوسطى، بعدما سُحقت، بعداد الطبقة الفقيرة.

فلبنان الذي ربط مصيره بمصير المنطقة، ينتظر تبلور المعادلات المقبلة في زمن الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن، تماماً كما هي حال غيره من الدول التي تحوّلت ساحات مواجهة سواء عسكرية أو اقتصادية أو الاثنين معاً. ولن يتّضحَ المسار قبل حزيران المقبل نتيجة عوامل عدة، منها أن الإدارة الأميركية الجديدة التي سيدخل رئيسها «البيت الأبيض» في العشرين من كانون الثاني 2021 تحتاج إلى عدّة أشهر للانطلاق بقوة، وهناك راهناً ما يشغلها داخلياً على مستوى تحريك عجلة الاقتصاد ومعالجة تداعيات وباء كورونا.

ومن العوامل أن ثمّة استحقاقين لا بد، بنظر طهران، من إنجازهما أولاً قبل الذهاب إلى أي تفاوض علني، وهما الانتخابات الرئاسية السورية والإيرانية، الأولى يُتوقع أن تُنجز بين نيسان وأيار، وتُشكّل عودة بشار الأسد مجدداً إلى سدّة الحكم عامل قوة واطمئنان لها. والثانية موعدها في حزيران، التي يريد المحافظون إجراؤها من دون أن يستفيد الإصلاحيون من أي مناخات جديدة.

فإلى الصيف المقبل، لا اختراق متوقعاً، ولا حلول مرتقبة. سيكون التركيز على تعزيز الأوراق. داخلياً، سيسعى «حزب الله» إلى الظهور على أنه على مسافة واحدة من الصراع الدائر في البلاد الذي يقوده رئيس الجمهورية حليفه المسيحي ومَن يقف معه، ومن جهة ثانية شريكه في «البيت السياسي الشيعي» ومَن معه من حلفاء. يظهر «حزب الله» وكأنه ليس سبباً ولا جزءاً من حال الانهيار والفساد المستشري الذي وصل إليه لبنان في تحالف السلاح والمنظومة السياسية التي حفرت عميقاً على مدى عقود في الدولة. ينطلق من أنه الأقوى والأقدر في زمن الانهيار، والأكثر إفادة منه في بناء دويلته التي تأكل الدولة وتنمو على حسابها. وحين يسقط الجميع جوعاً وعجزاً وإحباطاً واستسلاماً، سيكون عندها البحث ممكناً في أساسيات النظام وتركيبته ودوره وموقعه.

في قراءة منظّري المحور أن هناك دولاً دمّرتها الحرب، من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا، وهي ستكون أمام إعادة بناء وتأسيس على الخراب الذي تعيشه. وهذه هي حال لبنان أيضاً الذي دُمّر ذاتياً لا بحرب، بل على يد منظومته السياسية. وعند أوان التسويات، سيُطرح دوره ووظيفته ودوره ونظامه السياسي آخذاً بالاعتبار التحوّلات الجيوسياسية والاقتصادية. هذا التحدي كفيل في رأي هؤلاء، ببقاء العين الدولية على لبنان ومنعه من الانهيار الكلي نظراً لما يُشكّله من حاجة ودور للغرب، وكي لا يسقط كلياً في يد «حزب الله»!.