Advertise here

ماذا وراء المناورات الروسية - المصرية في البحر الأسود؟

23 تشرين الثاني 2020 17:16:00

حصلت مناورات "جسر الصداقة" بين القوات البحرية الروسية والمصرية للمرة الأولى في البحر المتوسط في حزيران (يونيو) 2015، وفي نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته تمَّ إسقاط طائرة الركاب المدنية الروسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، ما أعاد الإرتباك الى العلاقات بين البلدين، إذ اعتبر بعضهم هذا الحادث؛ أنه رد من الجماعات الإرهابية، ومن القوى التي تدعمهم في الخفاء، على تطور الصداقة بين البلدين الكبيرين، على اعتبار أن تعزيز العلاقات بين موسكو والقاهرة، جاءت بعد التشويش الذي تعرضت له ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، والتي أوصلت في ما بعد الرئيس عبدالفتاح السيسي في انتخابات 3 حزيران (يونيو) من العام 2014 الى سدة الرئاسة.
 
من البحر المتوسط الى البحر الأسود إنتقلت مناورات "جسر الصداقة" الروسية – المصرية لتجرى في الأيام المقبلة، في ظروفٍ سياسية تختلف عن ظروف العام 2015 في بعض الجوانب، وتتلاقى مع خصائص تلك المرحلة في جوانب أخرى.
 
فمن حيث الأهداف المُعلنة للمناورات؛ بقيت الشعارات ذاتها، وهي: تطوير الخبرات العسكرية والتدرُّب على أحدث الأسلحة، خصوصاً منها الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها مصر من روسيا، كما على الإندماج بين مختلف صنوف الأعتدة الدفاعية الأخرى، حيث أن مصر تمتلك ترسانة متنوعة تشمل طرازات من السلاح الأميركي والفرنسي والمحلي الصنع، إضافة إلى السلاح الروسي. ومن الأهداف الأخرى: إجراء تدريبات على مواجهة التهديدات الإرهابية، ومنع تهريب السلاح والمرتزقة عبر البحار.
 
اما الأهداف غير المُعلنة، فهي تتشابه في بعض جوانبها مع مقاصد مناورات عام 2015، في التأكيد على وجود قوى دولية أُخرى فاعلة على الساحة الإقليمية وفي الممرات المائية، يمكنها إحداث فروق استراتيجية، وأن المنطقة غير متروكة لقوى دولية او إقليمية متفلتة مثل تركيا وإيران وإسرائيل على سبيل المثال، وذلك على رغم أن السلطات المصرية أعلنت، أن المناورات ليست موجهة ضد أي من الدول الأخرى، وليس لها أي علاقة بما يجري بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كراباخ.
 
في القراءة السياسية لمناورات جسر الصداقة بين حشد من القطع العسكرية البحرية المصرية التي شوهدت تعبر المضائق التركية، وبين نُخبة اسطول البحر الأسود الروسي الفائق التطور؛ دلالات جيوسياسية واستراتيجية واضحة، واختيار البحر الأسود لإقامة هذه المناورات ليست مصادفة عادية، فالأمر يحمل رسائل واضحة وغير مُعلنة لتركيا بالدرجة الأولى، وفيها تأكيد على عوامل الضعف التي تواجه الإنفلاش التركي الذي تمدّد من ليبيا في الجنوب الغربي مروراً بشمال سوريا وشمال العراق، وصولاً الى وسط آسيا والقوقاز في الشمال الشرقي. وعبور الفرقاطات المصرية مضيقي البوسفور والدردنيل أمام أعيُن القوات التركية؛ يحمل تأكيداً واضحاً على الإلتزام بمحددات المعاهدات التي تحمي حرية الملاحة في المياه والمعابر الدولية، وفي هذا العبور إشارة الى أن الاتفاقات التي حصلت منذ 100 عام - والتي ترغب تركيا بإلغائها - ما زالت سارية المفعول، لا سيما منها إتفاقيتا "سيفر للعام 1920 ولوزان للعام 1923" اللتان وضعتا قيوداً على التوسُّع التركي، مقابل الإعتراف لتركيا بالسيادة على كامل أراضيها الحالية، خصوصاً في تراقيا على الضفة الأوروبية وفي ديار بكر في الجنوب الشرقي وفي لواء الإسكندرون على الساحل الغربي لسوريا.
 
تركيا واجهت الرسائل الروسية والمصرية الهادئة التي تستهدفها في ليبيا وفي شمال سوريا وفي أذربيجان وأرمينيا؛ بدبلوماسية حملت بعض الغزل والتطمين في كل الاتجاهات، بما في ذلك الإعلان عن موافقتها على دعم مسيرة الحل السلمي للأزمة الليبية، وكذلك في التجاوب مع الرغبة الروسية بتغطية الحل الذي فرضته موسكو في ناغورنو كراباخ، وتوقيف أي دعم للمسلحين المتطرفين في الشيشان. لكن هذه التطمينات التركية لم تُقنع مصر وروسيا ولا القوى الدولية الأخرى الغاضبة من الإنفلاش التركي، لأن مناورات عسكرية بحرية تركية ستجري في البحر الأسود في التوقيت ذاته التي تجري فيه المناورات الروسية – المصرية، فيما قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة غريبة الى قبرص التركية، داعياً الأوروبيين الى الإعتراف بدولتين مستقلتين في الجزيرة، كما قام بزيارة طرابلس الغرب، وأثنى فايز السراج رئيس حكومة الوفاق عن الإستقالة... وبهذه الخطوات يكون قد أجهض رسائل التطمين، وأحرج المساعي الألمانية التي تحاول منع فرض عقوبات أوروبية على تركيا، بما في ذلك توقيف تصدير الأسلحة اليها.
 
لا يمكن التقليل من شأن اختيار المكان للمناورات البحرية الروسية – المصرية في هذا الوقت بالذات، خصوصاً لكون البحر الأسود يجمع سلَّة واسعة من التقاطعات الدولية الساخنة، على اعتبار أنه مجاور لمسرح الحوادث في جنوب القوقاز، وتتفرع منه مشكلة جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وهناك ثروات غازية واعدة في قعر مياهه الجنوبية التي ستُجري تركيا فوقها مناوراتها المقبلة والتي ستُشرِك فيها تجارب على صواريخ "اس- 400" الروسية المتطورة للمرة الأولى. فجسر الصداقة قد يكون هو ذاته جسر للتداخُل بين مجموعة من الأزمات الكبرى...