منعطف خطير شهده الإعلام اللبناني مع امتناع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، عن التوقيع على البيان الختامي للاجتماع الوزاري الصادر عن "المؤتمر العالمي الثاني لحرية الإعلام" الذي استضافته كندا، والذي ينصّ على تعزيز مساءلة الذين يتعرضون للصحافيين أو يقيّدون عملهم، ما يشكل تهديداً صريحاً لهم ومساحةً للمتعدّين على حرية الإعلام.
فلبنان، الذي عُرف بمنارة الشرق، لما للحريات فيه من مساحة واسعة، يتحوّل نظامه اليوم من ديمقراطي إلى بوليسي، يُلاحق روّاد الكلمة، وأصحاب الرأي، ويضيّق على الإعلام. وما تمنّع الوزير عن الإمضاء على البيان إلّا إشارة واضحة على الدِرك الذي وصل إليه لبنان في تعاطيه مع الحريات والصحافة.
في هذا السياق، لم يرَ نقيب المحررين، جوزيف القصّيفي، سبباً لكي يمتنع لبنان عن توقيع البيان المذكور، مشيراً إلى أن، "البيان يتضمن مبادئ تتعلق بحرية الإعلام، وحماية الصحافيين، وضمان حرية الرأي والتعبير والفكر".
وقد أوضح القصّيفي في حديثٍ لجريدة "الأنباء" الإلكترونية أسباب التخلّف عن التوقيع، لافتاً إلى "ورود كلمة تتعلق بحقوق المثليين في البيان، وهو ما لا ينبغي أن يكون عائقاً، خصوصاً وأن لبنان قد حقّق تقدماً في التعاطي مع هذه الفئة".
وقد أكّد القصّيفي إجراءه اتصالات مع المراجع المختصة، منبهاً إياها "ممّا يمكن أن يترتب من ضررٍ معنوي يسيء إلى سمعة الإعلام اللبناني"، ومطالباً ب "تدارك الوضع، وتوقيع وزير الخارجية، شربل وهبة، على البيان خصوصاً وأن لبنان سبق ووقّع على بياناتٍ مماثلة".
وأضاف: "ربما اتّخذ الوزير وهبة موقفه استناداً إلى قوانين لبنانية تُقيّد (حرية الإعلام)، لكن في رأيي هذه القوانين يجب أن لا تكون عائقاً أمام الموافقة على البيان، لأنه يجسّد إجماع 36 دولة ولكلٍ منها قوانينها، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لتجاوز أي نقطة إشكالية، وبالتالي كان يجب التوقيع على البيان".
ختاماً، استبعد القصّيفي أن، "يندرج تحفّظ الوزير المذكور عن التوقيع في سياق التضييق على الحريات، إذ أن هذه الحرية مكفولة بالدستور والقوانين اللبنانية، كما وبإصرار الصحافيين على الدفاع عن هذه الحرية"، معتبراً أنه، "ليس من السهل التعرّض للعاملين في قطاع الإعلام، والتجارب السابقة أظهرت أن مطاولة الثوابت اللبنانية والحريات أمرٌ مكلف على أصحابه".
من جهتها، تواصلت وزيرة الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، منال عبد الصمد، مع وزير الخارجية واستوضحت منه أسباب التمنّع، وأوضحت له أن، "حرية الإعلام هي أمر مقدّس بالنسبة لها بصفتها الشخصية والرسمية"، مؤكدةً أنها "مع التوقيع على الاتفاقية، وفي حال وجود بنود تتعارض مع القوانين اللبنانية، يمكن التحفّظ عليها، وليس التمنّع عن التوقيع".
بدوره، علّق مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي، صالح حديفة، على الموضوع، كاتباً عبر "تويتر": "تبرير وزير خارجية تصريف الأعمال لعدم توقيعه بيان مؤتمر حرية الإعلام هو، "عذرٌ أقبح من ذنب". وبكل حال ذلك ليس غريباً على الفئة المتحكّمة بالبلاد، وممارسات التضييق سِمَتها اليومية في خرقٍ فاضحٍ لمقتضيات الدستور. والدستور الذي كفل حرية الإعلام أقوى بكثير من عدم توقيع وزير اليوم الأخير".