Advertise here

صفعة وداع آسيوية لترامب

18 تشرين الثاني 2020 18:08:38

يشكل الاتفاق الذي وقَّعت عليه دول جنوب آسيا وشرقها نهار الأحد الماضي في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) صفعةً قاسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ستنتهي ولايته بعد شهرين، وهي المرة الأولى التي يتّفق فيها حلفاء واشنطن في اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا مع الصين وأعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي تتألف من إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وتايلند ولاووس وفيتنام وكمبوديا وبروني وسنغافورة.

وقد أنهكت الصين نفسها للوصول الى هذا الاتفاق التاريخي، لأنه يخدم مصالحها بالدرجة الأولى، ويشكل رداً مزلزلاً على التحديات التجارية والسياسية التي فرضها عليها الرئيس ترامب منذ العام 2017.

وتشكل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضمّ 15 دولة، أكبر تجمع اقتصادي دولي يبلغ مجموع الدخل القومي للدول الأعضاء فيه 30% من الناتج العالمي، وتضم هذه الدول أسواقاً واسعة تخدم أكثر من 2,1 مليار مُستهلك. وإذا كانت الفوارق كبيرة بين نسبة النّمو في كل من الدول الأعضاء؛ إلا أن التسهيلات التجارية التي ستوفرها الاتفاقية ستساهم في وقف التراجعات التي حصلت في معظم هذه الدول جراء التأثيرات السلبية التي أحدثتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي عامّة.

الصين تُعتبر الرابح الأكبر من توقيع هذه المعاهدة من الناحيتين السياسية والاقتصادية. وبطبيعة الحال؛ فإن تغييرات جيوسياسية كبيرة ستحصل جراءها، خصوصاً في بحر الصين الجنوبي الذي شكّل ساحة نزاع بين بكين وواشنطن على مدى السنوات الثلاث الماضية، لأن الولايات المتحدة الأميركية كانت ترفض الاعتراف للصين بملكية بعض جزر البحر، وبالتالي لا تعترف بالسيادة الصينية على الممرات المائية الإستراتيجية التي تقع بين هذه الجُزر، وكانت بعض دول المنطقة المحيطة، والتي انضمت الى اتفاقية الشراكة الجديدة، تؤيد موقف واشنطن الذي كان يؤرِق بكين، وهذا ما سيتغيّر بعد توقيع الاتفاقية بطبيعة الحال، لأن الصين أصبحت شريكة لهذه الدول.

يبدو واضحاً أن موافقة اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا على الدخول في هذه الشراكة؛ يعتبر رداً متأخراً على خطوة الرئيس دونالد ترامب عام 2017، عندما انسحب من "اتفاقية الشراكة عبر المحيط" التي كانت تجمعه مع هذه الدول، بحجة أن الاتفاقية ليست عادلة، وتُسبّب خسارة لواشنطن. وهذا الموقف كبَّد هذه الدول خسائر كبيرة، وبالتالي أعطاها الحق بالتفتيش عن بدائل تعوِّض لها هذه الخسائر، وهذا ما ترى أنه سيتحقق من خلال فتح أسواق الصين أمام منتجاتها، لا سيما لكون الاتفاقية الجديدة لحظت وضع قيود على التعدي على الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، وهذا الأمر سيخدم الإنتاج الصناعي لهذه الدول التي كانت تعاني من إنتاج سلع مُقلدة في الأسواق الصينية، وفي أسواق دول أخرى في جنوب آسيا؛ تنافس مُنتجاتها.

المفاوضات التي أوصلت الى هذه الشراكة الجديدة استمرَّت أكثر من 8 سنوات، وقد خرجت الهند من هذه المفاوضات العام الماضي بضغط من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الفرصة مُتاحة أمامها للعودة والانضمام اليها، ذلك أن الشعار الأساسي الذي ترتكز عليه هذه الاتفاقية، هو توفير أرضية مناسبة لدفع النمو في كل دول جنوب شرقي آسيا، وتحقيق انسياب تجاري هادئ للسلع والمنتجات التي كانت تعاني في مواجهة الحواجز الجمركية المفروضة عليها.

ولدى كل الشركاء قناعة بأن التخفيضات الجمركية المباشرة، أو التي ستنخفض تدريجياً في المستقبل، إضافة الى توسيع مستوى الاستفادة من قطاع الخدمات وتسهيل التحويلات المالية، ستُساعد كلها في الخروج من الركود الذي تعاني منه اقتصادات هذه الدول.

سيبدأ العمل ببنود هذه الاتفاقية مع بداية عام 2021، بعد أن تكون حصلت على مصادقات السلطات التشريعية في الدول الأعضاء. والبيئة البرلمانية في هذه الدول مُهيأة لتمرير هذه المعاهدة من دون صعوبات، على ما بدا من ردود فعل من غالبية الأحزاب المحلية في هذه الدول، لأن الفوضى الدبلوماسية التي خلقتها توجهات الرئيس ترامب، أدت الى إنتاج جو اعتراضي عند هذه الأحزاب التي كانت تعقُد الآمال على المساندة الأميركية لبلدانها، وقد كان للقاءات غير المُجدية التي عقدها الرئيس ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون انعكاس سلبي على المنطقة، لأنها فشلت في الحصول على أي تنازلات نووية من جونغ أون، وبالتالي أدت الى زيادة منسوب التمرّد لدى بيونغ يانغ، وكذلك مستوى تهديداتها للدول المحيطة أكثر فأكثر، لا سيما لليابان وكوريا الجنوبية.

الصين اعتبرت الاتفاقية بارقة أمل في مواجهة الغيوم الداكنة التي تواجه العالم جراء وباء كورونا، ولا شك في أنها الرابح الأكبر من هذه المعاهدة، حتى ولو كانت أُجبرت على تقديم بعض التنازلات التجارية. والرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن سيكون أمام امتحانٍ قاسٍ في مواجهة هذه الاتفاقية التي تضرُّ بالمصالح الأميركية بطبيعة الحال. 

المصدر: النهار العربي