Advertise here

لا تغنّوا أشعار هوميروس على قيثارة محرقة الوطن

17 تشرين الثاني 2020 12:22:00 - آخر تحديث: 17 تشرين الثاني 2020 12:32:41

إن الغيوم السوداء، الدولية والإقليمية، قد وصلت الينا يا أيّها الساسة القابضون على عصب البلاد وأعناق العباد. فلا تجعلوا مصالحكم ومغامراتكم وارتهاناتكم الخارجية فوق الوطن، فإن وطننا باكمله مهدّدٌ، والحريق إن اندلع سوف يلحف الجميع، من الشمال إلى الجنوب، ومن البحر إلى الجبل، والكل خاسر. فتعقّلوا واصحوا ايها السياسيون، فالوطن لا يُرهن ولا يُدار وكأنه سوق بازار.

إن الحرب الاهلية لم تكن سابقاً بسبب (بوسطة عين الرمانة)، ولم  تبدأ سنة خمسة وسبعون، بل بدات نواتها سنة سبعة وخمسون عندما تضاربت مفاهيم  رجال السياسة والزعامات حين ذاك على ماهية وجهة لبنان، واين موقعه الجيو- سياسي، وعلى مفهومية الوطن وانتمائه، وهل هو عربي، وينتمي إلى هذه الامة التي كان حين ذاك المدّ الناصري يهدر كالنهر في البلاد العربية؟ أم هو فرنكفوني، وانتماؤه إلى الغرب، ويجب إدخاله حين ذاك بحلف بغداد، الذي انشأته بريطانيا لضرب المد الناصري، وفرملة الشيوعية في منطقتنا؟ كما كانت هناك الحرب الباردة بين اميركا والاتّحاد السوفياتي، فكانت منطقة الشرق الاوسط بين شدٍ وجذب، فأصبح لبنان بين حجَرَي رحى.

بين هذا المفهوم وذاك حصل الصدام بين المفهومَين، فأنتج شرخاً واسعاً في العلاقات السياسية وداخل المجتمع،  وبدأ كل فريق يريد أن يأخذ لبنان إلى وجهته.

هنا بدأ الصدام، وبدأت الاصطفافات بين يمينٍ ويسار، وصقورٍ هنا وغلّات هناك. وبسبب عدم التفاهم وتمسّك كل تيار بمفهومه لكيفية إدارة الدولة وعدم التنازل للآخر، أو خلق مفهوم وسطي يُرضي جميع الاطراف، أفلت العقال عند الجميع، وكانت آخر الحلول السياسية هي الحرب الأهلية. وكانت فكرة كلٍ منهما هي: ما لا يوخذ بالسياسة يؤخذ بالبندقية. فخسر الجميع، وخسرنا عشرات الآلاف من الشهداء، وخسرنا الوطن.

 ما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن المشهد يعود إلينا من جديد حاملاً معه النار والبارود مكشراً عن أنيابه. فنحن الآن في نفس السياق، ولكن بمسمّيات جديدة. فبدل الناصرية وحلف بغداد أصبح حلف السعودية وحلف إيران، وبين مفهومية وجهة لبنان، وهل هو فرنكفوني أو ينتمي إلى الأمة العربية أصبح، هل هو في منظومة دول المواجهة أم هو مع الجامعة العربية والمجتمع الدولي في ظل الصراع القائم على المصالح والنفوذ، والذي يذكّرنا الآن بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة وكلٍ من الصين وروسيا. فها هما الآن في منطقتنا، يتصارعان على النفوذ ويشكّلان تحالفات فيها.

لكن الأهم من كل هذا يأتي السؤال، أين نحن في ظل هذا الصراع، وهل بإمكاننا أن نتدارك الاصطفافات التي سوف تأخذ البلاد والعباد إلى حربٍ أهلية أخرى.

لكي لا نقع في نفس الخطيئة تجاه هذا الوطن، على المسؤولين والزعماء والسياسيين العقلاء، ورجال الدِّين الحكماء أن يصلوا فيما بينهم إلى حلول وسطية، وقواسم مشتركة ترضي الجميع ليخرج الوطن من الأتون القادم، فصورة الحرب الأهلية ما زالت في ذاكرتنا، وإنّ المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين.

إن الوطن لا يتحصّن الّا بالتفاهم. فطبول الحرب وحسيس النار الإقليمية بدأت أصواتهما تُسمع، فانتبهوا وتعقّلوا، واعقلوا لخير العباد، وقوموا سريعاً بتشكيل الحكومة. وتوكّلوا، فلا تحرقوا روما، ولا تغنّوا أشعار هوميروس على قيثارة مذبح هذا الوطن.

----------------------

*خارج النص

سُئل هتلر:
من أحقر الناس بالنسبة إليك؟ 
قال أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلادهم.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".