شاهدتُ مقابلة الرئيس وليد جنبلاط أكثر من مرة، والحقيقة أنها تعتبر قراءةً مميزة للوضع الداخلي، والإقليمي، والدولي.
ليس عجباً أن يطالب وليد جنبلاط في كتاب تهنئته لبايدن، الرئيس الأميركي المنتخَب، بفلسطين وقضيّتها، والتي تشكّل دوماً الهاجس له في كل أدبيّاته وتصريحاته.
"كنتُ واضحاً بالأمس عندما هنّأته، بأن يتذكّر القضية الفلسطينية، وحلّ الدولتين، وفق الاتفاقات الدولية، والقرار 242، ولاحقاً اتفاق أوسلو".
هكذا بدأت المقابلة بفلسطين التي تناساها، وغابت عن ذاكرة، أغلبية الحكام العرب، وبقيت الهاجس عند جنبلاط حتى عندما سُئل عن رأيه ببقاء ترامب،
"انظروا إلى فلسطين، كيف أهدى القدس والجولان إلى الإسرائيليين".
إنّ هذه مقابلة تُعتبر من أهم القراءات الشاملة التي تناولت الأوضاع التي نمرّ بها في هذه المرحلة العصيبة في لبنان، والمنطقة العربية، والعالم.
إنّ صراحة جنبلاط، وصدقه، ومصداقيته، وشجاعته، تعطي لتصريحاته ومقابلاته بُعداً وطنياً وسياسياً أصبحنا نفتقده في هذا الزمن الصعب.
وفي ردّه على سؤال يتعلّق بانفجار المرفأ، وضع الأمور في نصابها، متهماً النظام السوري باستقدام النيترات التي استعملها في تدميره للمدن والقرى السورية. وخالف ماكرون الرأي بأنّ انفجار النيترات كان عَرَضياً، وكأنه يتهم مجدداً النظام السوري بالتفجير الذي حصل ودمّر بيروت.
لم يغِب شيء عن بال وليد جنبلاط عندما ذكّر بموقفه من وجوب الانسحاب من اليمن، كذلك بعدم جدوى العقوبات على إيران، وحزب الله، وانّ التأثير المباشر سيكون على لبنان.
في وقتٍ قصير من مقابلته مع قناة روسيا اليوم، تساءل وليد جنبلاط، إلى أين سيعود اللّاجئون السوريون؟ وهل بقيت لهم أمكنة يعودون إليها؟ وذكّر بتصريح الأسد بأن التوازن الطبيعي عاد إلى سوريا بعد التهجير الذي حصل.
لم تغب المبادرة الفرنسية عن بال جنبلاط، وهو الذي علّق عليها آمالاً كبيرةً في طريق حلّ الأزمة اللبنانية. هذه المبادرة التي يحاولون إسقاطها عن طريق المحاصصات، والتي تحصل في مجرى تشكيل الحكومة.
أمّا عن موضوع التمثيل الدرزي، ومطالبته بتمثيل وازن لهم يتلاءم مع التاريخ والجغرافيا، وعن وجود مَن ينافسه في قيادة الدروز، قال جنبلاط: "نحن نقبل بالديمقراطية. لكن، في الوزارة السابقة، أقول بأننا لم نكن نتمثّل. المفارقة اليوم هي أن حزب الله، والوطني الحر، وهؤلاء لم يسمّوا سعد الحريري. نحن سمّينا الحريري، وهم يملكون القرار المركزي. هذا غريب عجيب. هذا فنٌ جديد في الديمقراطية يجب أن يُعلَّم في الجامعات.
الحقيقة هي أن وقت المقابلة قصير، ولكنه عابق بالمواقف المشرّفة، والرؤية الشاملة، والتأكيد على ثوابت هذه الزعامة، وثوابت الحزب التي تبدأ بفلسطين، والحريات، والذين ليس على صدورهم قميص.
(*)عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي