لم يعد الحديث عن الصين مجرد صناعات تقليدية، وقوة اقتصادية في العالم، إنما هو أيضاً محور استراتيجي متداخل بين السياسة المرنة والتطور الفكري، انطلاقاً من مبدأ الانفتاح في قدرة الحكم في الصين على إدارة بلاد تعداد سكانها ثُمن الكرة الأرضية وتُكرّس همّها الأساسي في التنمية المستدامة بكافة المحاور المجتمعية، بما فيها من إثنيات وثقافات واختلافات.
فالصين ليست من الفراغ تدعو إلى مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني المستدام بين الدول، وليس بسيطاً أنها لا تتعاطى سياسة فرض فائض القوة لابتزاز الضعفاء.
وهذا ما ينطبق على علاقتها ورؤيتها لتعزيز التعاون في الشرق الأوسط، وأهمّها تمتين دعم البلدان العربية والإقليمية في جهودها الرامية إلى بناء آلية أمنٍ إقليمية شاملة ومشتركة للتعاون الجماعي من أجل تحقيق السلام، والازدهار، والتنمية على المدى الطويل في الشرق الأوسط دون المرور في أتون التوسّع الاستعماري.
وكما هو معروف أن الصين تعارض وتدين بحزم جميع أشكال الإرهاب، إنما أيضاً لم يسجّل أنها دعمت أية مجموعة إرهابية، وبالتالي تعارض اقتران الإرهاب بأية مجموعة عرقية، أو دينٍ محدد، فضلاً عن ازدواجية المعايير.
وهي تدعم جهود الدول العربية والإقليمية في مكافحة الإرهاب، وتدعم بناء قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. وربما يختلف المحلّلون على تفسير التعاون الصيني- الإيراني، والذي يُعتبر الأخير، بنظر الكثيرين، داعماً للإرهاب من خلال دعم إيران لمنظمات حزب الله في لبنان، وسوريا، وفيلق القدس، والحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن. و يحاول الإعلام المناهض للصين، والبعض الآخر المدعوم إيرانياً تسويق مقولة أن التعاون الصيني- الإيراني ينسحب أيضاً على دعم تدخلاتها في دول الجوار، وذلك بهدف دق إسفين في العلاقات الصينية- العربية، ولكن ما يغيب عن الأذهان أن الصين، ورغم تمسّكها بالحفاظ على حقوق الشعوب، والدفاع عنها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إلّا أنها لا تفتح علاقات مع تنظيمات مسلحة وإنما تعتمد على العلاقات مع الدول والمؤسّسات الشرعية وفق ما تنصّ عليه قواعد العلاقات الدولية، محافظةً منها على مبدأ سيادة الدول واستقلالها وقرارها الحر، وبالتالي فإن علاقتها مع إيران مشروعةٌ، وهي تنطلق من هذه المبادىء كعلاقة أي دولتين صديقتين توجد بينهما مصالح مشتركة ومميزة.
وفي المقابل تؤكّد الصين أيضاً على علاقاتها المميزة والاستراتيجية مع الدول العربية، وتسعى بشكلٍ كبير لتعزيزها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والعراق.
وهذا يُثبت الاعتقاد الصيني القائم على أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تدابير شاملة لمعالجة الأعراض والأسباب الجذرية على حدٍ سواء، وأن عمليات مكافحة الإرهاب ينبغي أن تمتثل لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والمعايير الدولية، وأن تحترم سيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية.
وفي هذا الصدد تؤكّد الصين استعدادها لتعزيز التبادلات والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب مع الدول العربية لإقامة آلية تعاون أمنى طويلة الأجل، وتعزيز الحوار حول السياسات وتبادل المعلومات المخابراتية، والقيام بالتعاون الفنى وتدريب الأفراد من أجل مواجهة التهديدات بشكلٍ مشترك.
وفي هذا الإطار يؤكّد الباحثون الصينيون، والديبلوماسية الصينية، أن الإدارة في بكين يهمّها أن تُعرّف العالم المزيد عن استراتيجيتها حول سلوك طريق التنمية السلمية، لتجعل المجتمع الدولي يرى ما شهدته من تطوّر، ولكي يتعامل معها بطريقة صحيحة. فالصين ترفض أن يكون تحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولن تلقي مشكلاتها على الآخرين. ويهمّها تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسّك بالنظام التجاري المتعدّد الأطراف، لذا اعتمدت المشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي. وهي بذلك تدفع لبناء نمطٍ جديد للعلاقات بين الدول الكبيرة، من خلال السير قدماً مع تيّار تقدّم العصر، ودفع التنمية السلمية في العالم، وبناء العلاقات الجديدة النمط بين الدول الكبيرة، ومنها الصين والولايات المتحدة الأميركية لتدعيم بناء جسر الصداقة والتعاون بين قارتَي آسيا وأوروبا.
ليس صحيحاً ما تحاول أن تروّجه الإدارة الأميركية عبر أبواقٍ استخبارية في منطقة الشرق الأوسط عن أن الصين لها أطماع اقتصادية واستثمارية على حساب شعوب المنطقة، إنما العكس هو الصحيح، لأن مشروع "الحزام والطريق"، والذي يعني (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والبحري)، فإن دلّ ذلك على شيء فيدل على تمسّك الصين بالمفهوم الدبلوماسي المتمثّل في العلاقة الحميمة، والصدق، والمنفعة، والتسامح تجاه الدول، هو ما يؤكّد أن الصين تهتم بتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وذلك من خلال تطوير "روح طريق الحرير"، وتعميق التعاون الصيني- العربي إلى جانب الصداقة والشراكة مع القارة السمراء، والدفع لتشكيل شراكةٍ أقوى بين الصين وأميركا اللاتينية والكاريبي.
(الجزء الأول)
(*) رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والتنمية