"التعليم الحضوري"، "التعليم من بُعد"، "المدمج" (...)، مصطلحات عديدة اجتاحت حياة المعلّم وطالب العلم مع انتشار جائحة كورونا. وغزت حالة الاضطراب هذه الهيئات التربوية مع هذا النمط التعليمي "المستجد" على البعض. ووقف الجميع مذهولاً أمام النعوت والتوصيفات والمواقف المتباينة بين أهل الاختصاص، الساعين إلى بلورة رؤية تعليمية واضحة، وحديثي الخبرة في هذا المضمار.
وفي ظل الخوف من انتشار العدوى، وبعد إقفال جميع المرافق والمؤسّسات التربوية، نتيجة المخاوف المقلقة من تفشي كورونا، فرض التعليم من بُعد نفسه خياراً وحيداً وبديلاً عن التعليم الحضوري المألوف لاستكمال العام الدراسي 2019 - 2020. وكانت المعادلة واضحة، اللجوء إلى "الأونلاين" ولو "ارتجالياً"، أو الانقطاع عن العملية التربوية - التعليمية، وضياع العام الدراسي، وما ينتج عنه من تسرّب مدرسي ومشكلات نفسية واجتماعية.
انطلق إذاً "التعليم من بُعد" من مقولة الضرورات والظروف الطارئة التي تبيح المحظورات، دون الأخذ بعين الاعتبار الجهاز التربوي Le dispositif pédagogique، الذي يشمل العنصر البشري والوسائل التدريبية والتقنية التي تسهّل وتخدم الآلية التعليمّية، وتساهم بتحقيق الأهداف المنشودة.
انطلقت هذه العملية التربوية وتعثّرت، فلم تتعمّم ديمقراطية التعلّم والتعليم بالمستوى نفسه بين القطاعين العام والخاص، أو حتى داخل القطاع ذاته. وحصل أيضاً هذا التفاوت بين المحافظات والأقضية. كما ساد جوٌ من الفوضى العارمة والتشتّت، فتصرّف كلٌ حسب معرفته وقدرته وإمكاناته. وأتى السقوط المدوّي باستسهال إلغاء امتحانات الشهادات الرسميّة، وعدم إمكانية التقييم النهائي من بُعد لكفايات المنهج. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الصعوبات المسبّبة لهذا التعثّر؟
التعليم من بُعد هو محاكاة Simulation للتعليم الحضوري، وله متطلباته اللوجستية غير المؤمّنة بشكلٍ كافٍ في لبنان: جهاز كمبيوتر لكل متعلم، وشبكة إنترنت عالية الجودة، واشتراك في منصّات تعليمية وتطبيقات متخصّصة (للتعليم المفتوح من بُعد (Formation ouverte à distance)، وتيّار كهربائي، واشتراك إنترنت (وكهرباء)، بالإضافة إلى خصوصيته التعليمية Didactique، وطاقم تعليمي مؤهّل ومدرب لتعليم الطلاب وتحفيزهم ومتابعتهم.
وللتخفيف من وطأة هذه الثغرات الجوهرية، قرّرت وزارة التربية والتعليم العالي اتّباع التعليم المدمج خلال العام الدراسي 2020 - 2021 الذي يتطلب حضوراً جزئياً. ومع ذلك، لم تلحظ سياسة العين "غير البصيرة"، واليد القصيرة، وواقع الحال الصحّي بشكلٍ متكامل، وقدرة الصفوف الاستيعابية ضمن معايير التباعد الاجتماعي المطلوبة. وهناك سببٌ آخر للتعثّر المتوقع، ومردّه غياب الإعداد المستمر Formation Continue الفعّال للتعليم أونلاين، في شقّيه المتزامن وغير المتزامن، والذي يحتاج إلى تمحور التعليم حول نشاطات تفاعليّة، بعيداً عن المنهج التلقيني – التقليدي.
وأخيراً، يقضي التعايش مع جائحة كورونا بوضع مشروع وطني شامل للتعليم من بُعد يلبي حاجات جميع المراحل التعليمية، وجميع اختصاصات التعليم المهني والعالي (للمواد النظرية والتطبيقية)، ومشروع علمي ذو أهدافٍ واضحة، وجدولٍ زمنيٍ محدد، قابل للتعديل والتنفيذ والتقييم.
(*)أستاذ جامعي