Advertise here

إيران وتحديات رئاسة بايدن

08 تشرين الثاني 2020 16:27:00

كتب حسن فحص في "المدن":

اتجاهات متعددة تبرز داخل الاوساط السياسية الايرانية، من التطورات التي افرزتها الانتخابات الرئاسية الامريكية لا سيما تكريس فوز مرشح الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن وتوليه قيادة البيت الابيض. 

فانتصار جو بايدن سيعيد خلط تقديرات القيادة الايرانية في معادلاتها الداخلية، وايضا في استراتيجياتها الخارجية خاصة الاقليمية، واعادة تقويم المعطيات الجديدة التي سيفرزها فوز بايدن او ما ستساهم فيه عودة الخطاب الاوبامي الديمقراطي الى قيادة البيت الابيض والسياسات الامريكية في العالم، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الاوسط والدور الايراني في منطقة غرب آسيا. 

ولعل اكثر ما قد يشغل بال القيادة الايرانية في ظل رئاسة بايدن في البيت الابيض، عودة المنطقة الى مرحلة ما قبل عام 2018، ان كان في العراق او سوريا، من معارك في مواجهة الحركات الارهابية وتحديدا الاثار التي تسببت فيها سيطرة تنظيم داعش وقبلها النصرة على هذين البلدين والاثمان التي اجبرت طهران ومحورها وحلفاءها الاقليميين واذرعها العسكرية في هذا المحور على دفعها لتكريس موقعها ودورها وسيطرتها على قرار هذا المحور الجيوستراتيجي الحيوي الذي يسمح لها بفرض نفسها شريكا ولاعبا اساسيا في المعادلات الاقليمية والدولية السياسية والاقتصادية والنفطية والغازية والامنية والعسكرية.

لا شك ان القوى الايرانية المختلفة والمتخالفة ستدخل في قراءة النتائج والتداعيات والاثار الداخلية والخارجية التي ستنتج عن عودة الديمقراطيين ومرشحهم جوزيف بايدن للامساك بقرار البيت الابيض، بشكل اكثر جدية وبعيدا عن التراشق في المواقف والاتهامات التي سادت في الاشهر الاخيرة قبل الحقائق الجديدة الاتية من واشنطن. 

التيار المحافظ في ردة الفعل الاولى يبدو انه يقترب في موقفه من عودة الديمقراطيين وانتصار بايدن من موقف الحكومة برئاسة حسن روحاني وفريقه المفاوض والى حد ما موقف القوى الاصلاحية، التي ترى أن هذا التغيير سيساهم في خلق حالة من الراحة والارتياح في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي سيكون اولى نتائج قرار او نية بايدن العودة الى الاتفاق النووي وامكانية عودة النفط الايراني الى التدفق نحو الاسواق العالمية بشكل اكثر سلاسة وما يستدعيه ذلك من قدرة ايران في الحصول على عائدات هذه المبيعات او على الاقل جزء منها. 

في مقابل هذه الايجابية المباشرة التي قد تنعكس على الوضع الايراني اقتصاديا، الا انها لا تؤسس لحالة من الارتياح لدى فريق النظام ومؤسساته السياسية والعسكرية، لجهة التحديات التي فرضها هذا التغيير على مسار السياسات الداخلية وموازين القوى بينهم وبين المعسكر الاصلاحي بكل تنوعاته. لان هذه القوى – الاصلاحية – ستتمكن من استعادة انفاسها والعودة الى دائرة التنافس الجدي في معركة رئاسة الجمهورية المقررة في حزيران/يونيو 2021، بحيث تكون امامها امكانية لخلط الاوراق او على الاقل العودة بشكل واضح الى السباق الرئاسي كمنافس نسبي يربك آلية استعادة السلطة التنفيذية امام معسكر النظام المحافظ. 

من ناحية اخرى، فان عودة الديمقراطيين وتولي نائب الرئيس باراك اوباما قيادة البيت الابيض، او كما وصفته رئيس الكونغرس نانسي بلوسي "لن نقول عنه نائب الرئيس، بل سيكون الرئيس" سيضع مؤسسة النظام وجناحه العسكري امام مخاوف العودة الى السياسات القديمة التي كانت اكثر ايلاما وتهديدا لايران، فهي التي اسست لما قام به الرئيس الخارج من البيت الابيض دونالد  ترمب من فرض عقوبات وحصار واستهداف مباشر وغير مباشر لها ولحلفائها في الاقليم. اي ان سياسة الاستمرار في العقوبات ستستمر مع بايدن، الا انها ستكون من بوابة العودة الى الاتفاق النووي بحيث توفر له غطاءا دوليا لممارسة الكثير من الضغط لفتح مسار جديد من التفاوض يتجاوز البرنامج النووي ويشمل الملفات الاخرى التي لم يستطع ترمب اجبار ايران على قبولها خاصة في مجال البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي. 

النفوذ الاقليمي قد يكون المصدر القلق الرئيس لدى النظام الايراني مع بايدن، فعلى الرغم مما يقال ان اوباما قد تخلى عن سياسة الحد من النفوذ الايراني في الاقليم مقابل تحقيق انجاز الاتفاق النووي، فان التطورات التي حصلت مع ترمب في المعادلات الاقليمية، ستدفع بايدن للاستثمار فيها من اجل الحصول على المزيد من التنازلات الاقليمية. وهنا سيكون النظام الايراني والمؤسسة العسكرية امام تحدي الذهاب الى هذا الخيار، او العودة الى مواجهة مستجد امني قد يقوم على ما تم التأسيس له بعد عام 2011 في الاقليم من صعود للجماعات الارهابية في مناطق النفوذ الايراني في العراق وسوريا وافغانستان، ما يدخل النظام الايراني في دورة استنزاف جديدة من الممكن ان تكون اكثر تعقيدا من الدورة السابقة.