Advertise here

التطبيع السوداني - الاسرائيلي ضربة لمحور الممانعة وإغلاق للبحر الأحمر أمام إيران

08 تشرين الثاني 2020 12:47:00 - آخر تحديث: 08 تشرين الثاني 2020 16:11:20

حسم نظام الحكم الانتقالي في السودان أمره، وأعلن عن بدء المفاوضات المباشرة مع الكيان الإسرائيلي بغية توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات معه، وذلك بعد سلسلة اتصالات قام بها مسؤولون أميركيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية مايكل بومبيو.

 خروج السودان من محور الإخوان المسلمين إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، بعد الثورة التي أطاحت بحكم البشير، يشكّل خسارة كبيرة لمحور الممانعة، سيّما وأن السودان كان قد تحوّل إلى قاعدة تصنيع ونقل للصواريخ والأسلحة الإيرانية إلى حركة "حماس" في غزّة، كما أتاح خلال حكم البشير الفرصة لإيران تمويل قوات "الجنجويد" ودعمها للسيطرة على إقليم دارفور الغني باليورانيوم. كما أن انضمام السودان إلى الإمارات والبحرين في توقيعه السلام مع إسرائيل يشكّل انتكاسةً جديدة لمنظومة المصالح العربية التي تقودها الرياض، حيث كانت الخرطوم شريكةً في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

لن يذهب السودان للتطبيع مجاناً مع إسرائيل، فالهاجس الاقتصادي الذي تطمح حكومة الخرطوم لدعمه وتعزيزه، سيلاقي دعماً أميركياً بقيمة 300 مليون دولار، بالإضافة إلى 3 مليارات على شكل "تخفيف ديون"، كما سيتم شطبه عن لائحة واشنطن السوداء للدول "الراعية للإرهاب" والتي يُدرج عليها منذ العام 1993، ويرزح تحت عقوبات أميركية منذ عام 1990. وهذا كان محور النقاش بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ووزير الخارجية الأميركي بومبيو الذي حطّ في الخرطوم في رحلةٍ مباشرة قام بها من مطار بن غوريون في تل أبيب، وحيث أكّد حمدوك خلال اللقاء "على ضرورة الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع مع إسرائيل". وهذا ما جرى، إذ أن رفعَ السودان عن القائمة السوداء تمّ قبل إعلان السودان الموافقة على تطبيع العلاقات بينه وبين إسرائيل.

وعلى غرار اتفاقات الأمن والاقتصاد التي وقّعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل، والتي أفسحت بالمجال أمام دبي تعزيز قوة سلاحها الجوي، والحصول على طائرات أف 35 المتطورة، ستنال حكومة الخرطوم مقابل اتفاقها المتوقع، السيطرة التامة على إقليم "دارفور" الذي يضم بحسب الدراسات 7 مليارات برميل نفط، بالإضافة إلى كونه يضمّ المخزون الأكبر من اليورانيوم الخام في العالم. فالتطبيع مقابل الأمن وحماية النظام لدى دول الخليج، يقابله التطبيع مقابل الغذاء والرخاء الاقتصادي في السودان، وبالتالي سقوط شعار اللّاءات الثلاث التي أقرتها قمة الخرطوم في ستينيات القرن الماضي بعد هزيمة الـ1967، (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه).

وكان السودان قد شارك في الحروب العربية ضد إسرائيل عامَي 1948 و1967، وشكّل ساحةً خلفيةً آمنة للمقاومة الفلسطينية المسلّحة، قبل أن يتحوّل مع الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير عام 1989 إلى مركزٍ عالمي للجهاد المسلّح، فاستخدمت القاعدة وتنظيمات متطرفة أخرى السودان منطلقاً لهجمات إرهابية في الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، وإثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، وغيرها، إضافةً إلى تعاونه مع إيران التي كانت تنقل الأسلحة عبر مرفأ السودان إلى حركة حماس في غزة، مما أدّى إلى شن غارات جوية إسرائيلية ضدها. وغداة أول هجومٍ إرهابي على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، صنّفت الولايات المتحدة السودان كدولةٍ راعية للإرهاب.


يعاني السودان أوضاعاً بالغة الصعوبة، من اقتصادٍ آخذٍ في الانهيار، وتضخُّمٍ مُحدقٍ بمعدلات هائلة، وأزمة غذائية في كل بقاع البلاد. وسجلّ الجوع هذا العام معدلاتٍ مرعبة، حيث تقول الأمم المتحدة إن نحو 9.6 مليون سوداني يعانون "فقراً غذائياً حاداً". وقبل الفيضانات، جاء وباء كورونا ليزيد بتفشّيه الوضع سوءاً على نحو لم تعد تجدي معه المساعدات الغذائية، وإنما ثمة حاجة إلى ضخّ دعمٍ اقتصادي مكثّف.

وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة، وما ستحقّقه إسرائيل من مكاسب أمنية جرّاء الاتفاق مع السودان - من إغلاقٍ للبحر الأحمر أمام إيران، التي تتواجد في جنوبه عبر الحوثيين في اليمن، ومن خلال "الجنجويد" في إقليم دارفور - هو وقف تدفّق السلاح إلى غزّة عبر مرفأ السودان، ووقف الهجرة الإثيوبية، والأريترية، والسودانية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهكذا فإن التطبيع الإسرائيلي مع السودان يمثّل "اختراقاً دراماتيكياً للسلام"، وبداية "حقبةٍ جديدة"، كما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيّما وأنه يحمل أبعاداً استراتيجية تخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، والتي تحاول واشنطن فرضها على الدول العربية، لا سيّما على الثنائي السعودي – المصري الذي يشكّل رافعةً أساسية لنظام المصلحة العربي الذي جنّدت الولايات المتحدة الأميركية قواها الناعمة لتعطيله، ومنع قيامه على أسسٍ ثابتةٍ منذ عقود، حيث التزمت الأنظمة العربية على اختلاف أنواعها وتصنيفاتها تنفيذ الرغبة الأميركية تلك بأساليب وأنماط مختلفة، أدّت إلى ما نحن عليه اليوم من تخبُطٍ وتفككٍ وارتهان.