رغم إعلان مصرف لبنان عن عدم قدرته الاستمرار في سياسة دعم المواد الأساسية بسبب تراجع قيمة الاحتياطي إلى مستويات قياسية، ووجوب إنهاء هذه السياسة عند الوصول إلى حاجز الـ 17.5 مليار دولار من إحتياطي "المركزي"، لم تتضح بعد كيفية رفع الدعم، على الرغم من التداول بالموضوع لأكثر من شهرين.
لم تنجح خطة الدعم كما كان متصوراً، إذ لم يشعر المواطنون بالفرق المرجو في الأسواق، ولم تنخفض أسعار معظم المنتجات، كما أن ثغرات عدّة شابت الخطة، منها دعم مواد ثانوية، كما واحتكار التجّار، أو تهريبهم المواد المدعومة إلى خارج البلاد، وبالتالي عدم وصولها إلى الطبقات المستهدفَة الفقيرة والمتوسطة. فما كانت النتيجة إلّا خسارة الأموال المتبقية من قيمة الإحتياطي، والمرصودة للدعم، والتي قيل أنها تكفي حتى نهاية العام، كحدٍ أقصى.
مصادر وزارة الاقتصاد أشارت في اتّصالٍ مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية إلى أن، "الوزارة بصدد العمل على ترشيد الدعم عبر اختصار قائمة المواد المدعومة، واستثناء المنتجات الغذائية الثانوية من الخطة، وذلك لتمديد فترة الدعم إلى ما بعد نهاية العام الحالي".
وفي هذا السياق، استبعدت المصادر اللجوء إلى البطاقات التموينية، بعدما أشيعت أخبارٌ مفادها احتمال توجّة الوزارة إلى الخطة المذكورة لتخصيص الدعم للأسر التي هي بحاجة لدعم مشترياتها.
وحول إشكالية العدالة الإجتماعية، وانعدامها في خطة الدعم الحالية غير المضبوطة، والتي تستهدف مختلف المواطنين، الفقراء والأغنياء على حدٍ سواء، فقد شدّدت المصادر على، "ضرورة اعتماد العدالة الاجتماعية كمبدأ، وتخصيص الدعم للمحتاجين، لكن هذا الأمر يحتاج إلى مبادرة الحكومة، وإلى تعاونٍ واسع بين الوزارات، لا سيّما وزارتَي الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، من أجل تحديد الأسر الفقيرة". وفي هذا الإطار، رجّحت المصادر أن، "تُرحّل هذه الخطوة إلى الحكومة المقبلة، إذ أن الحكومة الحالية "ما بتحمل" هكذا موضوع".
من جهته، رأى رئيس جمعية المستهلك، زهير برّو، أن "استمرار الدعم بشكله الحالي، ولو تم ترشيده وتعديل الخطة، هو استمرار لنهب الأموال المتبقية لدى إحتياطي مصرف لبنان، ولن يثمر أي نفع، إذ أنّ التجار بمعظهم فاسدون، وهم المستفيدون الوحيدون من هذه العملية، عبر الاحتكار والتخزين وتزوير تواريخ المنتجات لرفع أسعارها، والجمعية تردها عشرات الشكاوى في هذا الخصوص".
وفي حديثه لـ"الأنباء"، يشدّد برو على "ضرورة توجيه الدعم مباشرة إلى المواطنين، إمّا عبر البطاقات التموينية، أو عبر صرف مساعدات نقدية للناس من أجل الاستفادة منها حسب حاجتهم. والعملية تتم نسبةً لدخل كل عائلة، وحجمها، على أن تكون الأموال المعطاة لهم بالليرة اللبنانية، وليس الدولار، وتحت مراقبة البلديات والجيش لضمان الشفافية".
في هذا الإطار، يلفت برّو إلى أن، "اعتماد هذه الاستراتيجية سيؤدي أولاً إلى إطالة مدّة الدعم إلى ما بعد نهاية العام بفترة طويلة، إذ أنّ الأموال الموجودة بالدولار تُصرف عبر المصارف على سعر 3,900 ليرة، وليس 1,500، وتعطى للمواطنين. كما ستفسح المجال أمام العدالة الاجتماعية المبتغاة عبر تحديد الأسر المدعومة، إذ من غير العدل دعم خبز الغني ومحروقاته ودوائه، فالفئات الأضعف بالمجتمع هي المستهدفة".
وعن ارتفاع الأسعار في السوق بعد رفع الدعم، فيشير برّو إلى أن، "المنتجات المدعومة هي أساساً مخزّنة ومحتكرة من قِبل التجار، وبالتالي المواطن لا يستفيد منها. لذا، على الدولة تحديد أسعار بيع هذه المنتجات لتجّار الجملة حسب أسعار المنتجات عالمياً، مع تحديد هامشٍ للربح، فعندها يُمكن ضبط أسعار السوق، وتمكين فعالية البطاقات التموينية، أو المساعدات النقدية".
إلّا أنّ برّو يختم منبّهاً من، "التزوير الذي سيطال لوائح وزارة الشؤون الاجتماعية لجهة الأسر الفقيرة، والتي هي بحاجة إلى الدعم، كما من نفاد الأموال المرصودة للدعم بعد حين في جميع الأحوال". وهنا، يذكّر أن "المشكلة الأساس تكمن في نظام الفساد القائم على المحسوبيات والتنفيعات، ولا خلاص للبلد إلّا مع تغيير النظام والانتقال من الحالي الطائفي، إلى اللّا- طائفي".
في السياق نفسه، نظّم عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي، محمد بصبوص، مؤتمراً من أجل متابعة ملف رفع الدعم، وقد شارك فيه مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة، محمد أبو حيدر، ورئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، ورئيس المجلس الاقتصادي- الاجتماعي، شارل عربيد، وأمين عام جبهة التحرّر العمالي، أسامة الزهيري.
من جهته، رأى بصبوص في اتّصال مع "الأنباء"، إثر المؤتمر، أن "الهمّ اليوم تجاوَز حدود رفع الدعم أو إبقائه، وبات تأمين الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية للمواطنين. فنسبة الفقراء في البلاد اليوم تساوي 55% من الشعب اللبناني، وهي مرشّحة للارتفاع إلى حدود الـ65% مع انحسار الطبقة الوسطى، فمن الضروري التوجّه نحو سياسة حماية اجتماعية في لبنان".
كما أشاد بصبوص بـ"خطة وزارة الاقتصاد القاضية بترشيد الدعم، وهذا ما أعلنه مدير عام الوزارة محمد أبو حيدر في المؤتمر"، معتبراً أن، "إعادة درس قائمة المواد المدعومة، واستثناء المنتجات الثانوية منها، هو أمر إيجابي وسيخفّف من هدر الدعم، كما سيمدّ بالقليل من الأوكسِجين".
لكنه وفي هذا الإطار، وإثر فشل الحكومة في مختلف التجارب السابقة المشابهة، ومنها مساعدة العائلات الأشد فقراً خلال فترة الإقفال التام، ومساعدة المنكوبين جرّاء انفجار المرفأ، استبعد بصبوص، "احتمال إقدام حكومة المستشارين الحالية على أي خطوة إيجابية، في سبيل التعاون بين الوزارات المعنية من أجل تأمين العدالة الاجتماعية، وحصر الدعم بالشرائح المستهدفة"، مرجّحاً "انتظار تشكيل حكومة جديدة للقيام بالمهمة المنشودة في حال لم تتأخر التشكيلة الحكومة، وإلّا نفدت الأموال من مصرف لبنان".
إلّا أن بصبوص شدّد على "وجوب التوجّه إلى حل الأزمة الأساس، عبر ضبط المعابر ووقف التهريب الذي يستنزف الاقتصاد، ويحرم المواطنين من مختلف المنتجات، الغذاء والدواء والمحروقات وغيرها، وهو أمرٌ أيّده مختلف الحاضرون في المؤتمر".
وتطرّق بصبوص إلى ملف دعم الدواء، فقال: "إن لبنان يستهلك الدواء بقيمة مليار و200 مليون دولار سنوياً، وهو رقم جداً مرتفع نسبة لغير دول. لذلك، هناك توجّه نحو استبدال بعض الأدوية "بالجِنيريك"، على أن تتكامل الخطوة مع اقتراح اللقاء الديمقراطي الأخير القاضي بدعم الصناعة الدوائية الوطنية وحمايتها".
كما يذكّر بصبوص أن، "دعم مصرف لبنان، من ضمن احتياطاته، وقطاع الطاقة، عبر تغطية دعم المحروقات لتوفير الكهرباء، دون أن تتخذ الوزارة أي إجراء من أجل وقف الهدر التقني وغير التقني الحاصل، في ظل غياب أي إضاءة على هذا الأمر".
أما في ما خصّ الحلول البديلة المطروحة، كتخصيص بطاقات تموينية للمواطنين، فقد رأى بصبوص أن، "الخطوة قد تكون جيّدة في حال كانت أعداد المستهدفين قليلة، أما في حالة لبنان، فأرقام الفقراء تتراوح ما بين المليونين والـ700 ألف، والمليونين والـ800 ألف شخص، وبالتالي أكثر من نصف الشعب اللبناني هو بحاجة للمساعدات، فلا يمكن تطبيق هذه الخطة في لبنان، رغم حسناتها لجهة تطبيق العدالة الاجتماعية، وضبط تلاعب التجّار واستنسابيّتهم " محذراً في هذا الخصوص من أن، "الخطة لن توقف التهريب رغم ارتفاع الأسعار بعد رفع الدعم، إذ تبقى أدنى من أسعار السوق السوري، وبالتالي النقطة الأساس لم تُعالج، ما يعني الدوران في الحلقة نفسها".
في الختام، يشدّد بصبوص على "أهمية أن تعي السلطة الحاكمة اليوم حجم الأزمة، وتغيّر ذهنية الفساد والمحاصصة التي تعمل وفقها، كما والتوجه نحو الإصلاح من أجل تفادي الأسوأ".