Advertise here

لماذا تريد واشنطن اسقاط مبادرة السلام العربية؟

06 تشرين الثاني 2020 11:52:42

ما قالته المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفيرة كيلي كرافت، عن عدم الحاجة إلى "مبادرة السلام العربية" ليس بزلة لسان ولا هو خارج سياق الدبلوماسية الأميركية، لا بل يحمل في طياته رسالة مباشرة الى المملكة العربية السعودية، التي تحاول واشنطن تطويق تأثيرها السياسي لمنعها من قيادة تحالف عربي إسلامي معتدل قادر على مواجهة التطرف الإسلامي بشقيه (السني - الشيعي) المتعدد التسميات، وذلك من خلال ضرب مصداقيتها وثبات موقفها من القضية الفلسطينية المركزية (عربيا وإسلاميا).

فما قالته امام مجلس الامن، عن أن "المبادرة العربية كانت تاريخية في وقتها، لكنها تعود إلى عام 2002، كما أنها لا تقدم نوع التفاصيل التي نحتاجها للتوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وأن من "رفض رؤية الولايات المتحدة للسلام لا يفعل شيئًا لمساعدة الشعب الفلسطيني أو لدفع قضية السلام إلى الأمام"، لا يندرج في سياق الرد على معارضي صفقة القرن أو الدفاع عنها، بل يندرج في سياق خطة جديدة ينتهجها البيت الأبيض لفرض صفقة القرن، ليس على الفلسطينيين فحسب بل على المنطقة، ويستخدم شعار حماية أمن واستقرار دول الخليج العربي كمظلة لفرض اتفاقات التطبيع بين دول الخليج العربي وإسرائيل، لا سيما الدول اللصيقة للمملكة العربية السعودية، وذلك بعد فشل تل أبيب تنفيذ صفقة القرن ميدانيا في الداخل الفلسطيني نتيجة رفضها بالشكل والمضمون من قبل القوى الفلسطينية على اختلافها، وعدم توفر الغطاء العربي لتلك الصفقة لمخالفتها خيار حل الدولتين ومبادرة السلام العربية القائمة على حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والمبنية على القوانين والقرارات الدولية، والتي ترعاها وتتمسك بها المملكة العربية السعودية.
 
كرافت أكدت في كلمتها أن "اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان"، هي في صميم دبلوماسية الرئيس دونالد ترامب الذي تعامل مع قضية السلام بشكل مختلف هو ما أدى إلى تحقيق هذا الاختراق الذي لم يحدث منذ أكثر من 25 عاما"، كما أعلنت رفض بلادها عقد مؤتمر دولي للسلام، كان قد دعا إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأيدته دول عديدة في مقدمتها روسيا، حيث شككت في اختلافه عن المؤتمرات السابقة، ودعت الفلسطينيين إلى "الانخراط في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، على أساس خطة السلام الأميركية، المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن".

في السياق ذاته وبعد أن استطاع الرئيس دونالد ترامب من إحداث انقلاب كبير في المشهد السياسي العام نتيجة اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، يتوجه في خطواته السياسية والإعلامية الى التركيز بشكل مكثف ويومي وتفصيلي على المملكة العربية السعودية ويعلن أنها ستوقّع اتفاق التطبيع مع إسرائيل وهذا ما جرى خلال إعلانه موافقة السودان الاتفاق مع إسرائيل، فهذا التركيز الاستثنائي على الرياض له دلالته وأهدافه.

رد الرياض كان ومازال واضحا وعال النبرة والصوت، كما جاء في خطاب الملك سلمان وفي التصريحات السياسية لوزير الخارجية السعودي، والتي تقول ان المملكة العربية السعودية لن تطبّع مع إسرائيل، مازالت تستند الى مبادرة العربية للسلام، وأن الموقف من القضية الفلسطينية مازال هو هو، وأنه لا سلام في الشرق الأوسط إلا إذا تم السلام الفلسطيني، هذا الموقف السعودي ليس إكراما للفلسطينيين من المبدأ العاطفي، بل هو التزام عميق للملكة والدولة بمؤسساتها وتاريخها وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية التي تخدم نظام المصلحة والمجتمع السعودي، قبل ان يخدم نظام المصلحة الفلسطيني. 

سياسة واشنطن تجاه الرياض والمنطقة، ليست سياسة مرحلية ولا ترتبط بمزاجية الرئيس الأميركي، إنما هي سياسة استراتيجية عميقة مرتبطة بشروط الهيمنة الأميركية على المنطقة وتعزيز موقع ودور إسرائيل فيها، على اعتبارها عنصر القوة الأميركية المتقدم، لذلك فإن فرض التطبيع مع إسرائيل مقدمة لضمن لحجز موقع تل أبيب في التحالف "الشرق أوسطي" أو "الحلف العربي – الأميركي – الإسرائيلي"، والذي سيصطف فيه العرب من مصر والسعودية وغيرهم خلف إسرائيل، وهذا لا يتوافق مع سياسة ومصلحة كل من السعودية ومصر، اللذان لا يريدان الصدام لا مع إسرائيل ولا مع أميركا، لذلك فإن السلام مع السودان هو اختراق جديد لمنظومة المصلحة العربية المواجهة لطهران، وتطويق جديد للمملكة العربية السعودية، وإضعاف للعلاقة المصرية مع السودان التي بدأت مع الثورة السودانية التي أطاحت بحكم البشير.