حكمٌ وفعلٌ لا يعرف مكنوناته وأسراره سوى واهب وقابض الأرواح.
ولا يمكن لنا لو استنبطنا الغيب إلّا وأن ننحني خاشعين برضاء واختيار ما تؤول إليه الأمور .
كذلك لا بد للمرء إلّا وأن يتوقف أمام الموت، وعظمته وجبروته، ذاك الفعل الذي ذاقته كل نفسٍ ولدت، إذ هو حصد ويحصد كلٌ في موعده لا يؤخّر نفساً، ولا يقدّم زفرةً إلّا بإرادته.
الكبير والصغير. الوضيع والرفيع. لا استثناء لأحدٍ من كبار القوم لأدنى نفسٍ بشرية على وجه هذه الأرض.
ذاك الحكم العادل الصامت الخفي، لا يُنذر ولا يهتمّ لأحد. يقتحم دون تصميمٍ، ولا تخطيطٍ، ولا جيوشٍ وأسلحةٍ فتاكة، لكن حتماً بإشراف ربٍ عادل.
يأتيك دون إخبار ومعرفة بلمحةِ بصر رغم هذا التقدّم العلمي والطبي الهائلين، إذ تقف كل العلوم، وما اقتبسته من آلات بعلم الترقيم مكتوفةً، مصعوقةً، مذهولةً، كأنها أصابها الشلل، أو نفس المرض القاتل، وهي من صنع الإنسان.
غيّب الموت العميد المتقاعد أمين محمد شبلي أبو عاصي، بعد صراعٍ مع المرض، فكانت الرحمة أولى بفعلها، والباري تعالى أدرى بما لديه.
ابن العائلة الحميدة، العصامية، المعطاءة، التي اتخذت من العلم والمعرفة منهجاً واضحاً لذاتها، ولمجتمعها للنهوض به.
اقترن بزوجة واكبته الحياة، سليلة بيت كريم معطاء، والدها الشيخ ابو كمال ملحم ريمان محب جريء صاحب الرأي السديد والكلمة الصادقة النابعة من القلب، غيور على المصلحة العامة.
ذاك الرجل إن صادقته، أو كنت من محبّيه، أو تؤيد أسلوبه أو خلافه،لا يمكنك إلّا والقول إنّه مقدامٌ، صادقٌ، أمينٌ، محب للخير وفاعله، شغوفٌ بنهل العلم والمعرفة بالقراءة تاريخاً وفلسفة، مؤيداً، وعاملاً للانفتاح، كارهاً التعصب والتقوقع.
ذاك الرجل الذي تأثّر بمبادئ المعلّم الشهيد كمال جنبلاط، فلسفياً وطبياً، ونباتياً، إذ كان في مرحلةٍ ما يزرع عشب القمح، متّخذاً منه علاجاً وغذاءً وصولاً لغيره من المنتوجات الخضروية.
كان الفقيد ضابطاً ذي مناقبيةٍ عاليةٍ، شارك في الحرب بكل ما أوتي من قوة، إذ كان قائداً، وموجهاً في أماكن ومحاور متعددة.
إن الترابط العائلي ممكنٌ أن يتفكّك ويضمحل، لكن الصداقة تتوارثها الأجيال، وإن خفّت تعود للظهور كلّما كان الظرف يقتضي ذلك.
رحمَ الله من سلّفنا الذين أورثونا الصدق نهجاً، والصداقة مبدأً.