Advertise here

"المالية" مطالَبة برفع السرية عن حساباتها... أولاً

02 تشرين الثاني 2020 07:31:46

أول دخولها على مصرف لبنان، تلقت "ألفاريز آند مارسال" Alvarez& Marsal قائمة رفض "بطولها". المركزي تحفظ على 57 في المئة من المعلومات التي طلبتها شركة التدقيق الجنائي. فبحجة السرية أوصد مصرف لبنان أبوابه في وجه الجميع، وفتح المجال لتساؤلات لا تنتهي عن قانونية موقفه، وعن إمكانية تضمين وزارة المالية العقد الغاماً ذاتية الانفجار، في حال ملامستها مصالح الطبقة السياسية في البلاد.

 

لم تمضِ أسابيع قليلة على توقيع وزير المالية غازي وزني عقد التدقيق الجنائي في الأول من أيلول، حتى اصطدمت الشركة المدققة بأكثر من عائق. وخلافاً لما يشاع فان "المركزي لم يتذرع فقط بالسرية المصرفية، بمعناها الضيق (قانون 1956) بل بالطبيعة السرية للمعلومات، وأيضاً بالأمن. حيث رفض، على سبيل المثال، طلب تزويد شركة التدقيق بقائمة لموظفي مصرف لبنان السابقين والحاليين مع المسمى الوظيفي والوظيفة من تاريخ 1 كانون الثاني 2015 حتى الآن"، يقول المحامي والبروفسور في كليات الحقوق د.نصري دياب. كما ان بعض الخانات المخصصة لإجاباته تركت فارغة، والأخرى تمّ ملؤها بـ"غير متوافر".

إستئناف التدقيق الجنائي ممكن ولكن بشرط

تعددت أسباب رفض الإجابة على أسئلة "الفاريز أند مارسال"، فيما بقيت عبارة "هذه المعلومات ذات طبيعة سرية وفقاً لقانون النقد والتسليف، يرجى الرجوع إلى الرسالة المرفقة الموجهة إلى معالي وزير المالية بهذا الشأن"، هي الطاغية على معظم إجابات "المركزي". فحجته لعدم الافصاح في ما يخص المعلومات المشمولة بالسرية المصرفية هي المادة 151 من قانون النقد والتسليف والتي تنص صراحة على التالي: "على كل شخص ينتمي او كان انتمى الى المصرف المركزي، بأية صفة كانت، ان يكتم السر المنشأ بقانون 3 ايلول سنة 1956. ويشمل هذا الموجب جميع المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلق ليس فقط بزبائن المصرف المركزي والمصارف والمؤسسات المالية، وإنما ايضاً بجميع المؤسسات المذكورة نفسها، والتي يكون اطلع عليها بانتمائه الى المصرف المركزي". وانطلاقاً من ان "المركزي لديه علاقة مع القطاعين العام والخاص المتمثلين بالدولة ومؤسساتها من جهة، والمصارف التجارية من الجهة الأخرى، فانه من الصعب علينا اعتبار القطاع العام زبوناً لمصرف لبنان. وذلك على خلاف المصارف التجارية التي تربطها بمصرف لبنان علاقة خاضعة للقوانين التجارية"، يقول دياب. و"بالتالي فان السرية المصرفية قد لا تنطبق على حسابات القطاع العام ومؤسساته التي يجب ان تشكل قلب التدقيق الجنائي".

المعضلة المتعلقة بالسرية المصرفية التي تهدد بالاطاحة بالتدقيق الجنائي حلها بسيط جداً من وجهة نظر دياب. "فبدلاً من التلهي بالمناظرات القانونية العقيمة، وتضييع الوقت باستطلاع آراء غير ملزمة من هيئة التشريع والاستشارات، أو حتى إقرار مشاريع قوانين تتعلق برفع السرية المصرفية في مجلس النواب... تستطيع الدولة تنفيس كل هذه المشكلة بعمل واحد سهل وسريع. إذ بامكان الجهة التي وقعت العقد مع "الفاريز اند مارسال" أي وزارة المالية، ان ترسل إلى مصرف لبنان رسالة مؤلفة من جملة واحدة مفادها: رفعت السرية المصرفية عن حساباتي". عندها تحل هذه المشكلة من وجهة نظر دياب. "ويعود التحقيق ليأخذ مجراه الطبيعي. خصوصاً ان حسابات المالية هي الاهم وتتضمن ملخصاً عن حسابات مختلف الوزارات والمؤسسات والعقود المالية التي أبرمت مع الدولة اللبنانية. وبهذه الطريقة يتم وضع الجميع أمام مسؤولياتهم. فليس من المنطق والعدل والانصاف تحميل مصرف لبنان وحده كامل عبء ومسؤولية عملية التدقيق. إذ ان التدقيق يجب ان يطال حسابات الدولة بأكملها. ويجب على من قرر القيام بالتدقيق، أي السلطة التنفيذية، القيام بما يلزم لاتمام العملية. فلا يكفي التوقيع على العقد مع "الفاريز أند مارسال"، بل عليها تسهيل مهمة الشركة". وفي حال لم تبادر المالية إلى مثل هذا الإجراء، فعندها "ستنقضي مهلة التعاقد مع الشركة قبل التوصل إلى حل"، يجيب دياب. وسيخسر لبنان واحداً من أهم شروط الاصلاح، ومطلباً رئيسياً من مطالب صندوق النقد الدولي الذي يصر على إجراء التدقيق الجنائي.

 

لغم "المالية"!

على خلاف وجهة النظر التي ترجع سبب فشل التدقيق الجنائي إلى تضمين العقد الموقع مع "ألفاريز أند مارسال" لغم اخضاعه للقوانين المرعية الاجراء في لبنان من قبل وزير المالية منفرداً، يرى دياب ان في الأمر مغالطة كبيرة. "فمن مصلحة لبنان أن يكون العقد خاضعاً للقوانين اللبنانية بدلاً من ان يكون خاضعاً للقوانين الأجنبية، مثل قوانين دولة الامارات العربية المتحدة حيث يوجد مقر الشركة. كما ان العقد ضُمّن القانون الواجب تطبيقه على العلاقة التعاقدية بين الدولة والشركة وهو القانون الانكليزي. أمام هذا الواقع يبقى "مفتاح الحل والربط في يد وزارة المالية"، يقول دياب. "فهي الجهة الأقدر على نزع جميع الالغام والتمسك بالشركة من خلال تنازلها عن السرية المصرفية العائدة لها. فان فعلتها كان به، وإن لم تفعلها فلا تدقيق ولا من يفرحون".

مقترحات للتخلص من السرية المصرفية

أمام هذ الواقع ونظراً لأهمية التدقيق الجنائي في كشف ملابسات سرقة الشعب اللبناني وهدر مليارات الدولارات، اعتبرت منظمة "كلنا ارادة" انّ "التأخير في إجراء التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان لا يُغتفَر، وتفوح منه رائحة إفلاس المنظومة الأخلاقي". المنظمة التي اعتبرت ان التحجج بالسرية المصرفية أمر خاطئ، اقترحت أكثر من إجراء لإرغام مصرف لبنان على الالتزام بالعقد ومنها:

- إعادة النظر جدّياً في إلغاء قانون السرية المصرفية اللبناني بشكل كامل. إذ فقَدَ القانون أساسه المنطقي الأصلي، كما لم يعد بإمكان ثقافة الإفلات من العقاب التي يساهم حالياً في إرسائها، أن تسود عندما يكون الأمن الوطني في خطر.

- حث أعضاء مجلس النواب الذين يعتقدون فعلاً بوجود مانع قانوني أمام التدقيق على تقديم اقتراح عاجل يعفي العقد صراحةً من ذريعة انتهاك السرّية المصرفية. حينها، سيكشف النواب الذين يصوّتون ضد اقتراح مماثل دوافعهم الحقيقية ويُظهر تواطؤهم الفاسد.

المشكلة الأساسية تبقى في امكانية انقضاء الوقت قبل التوصل إلى أي حل من الحلول الكثيرة المقترحة. عندها ستنسحب "الفاريز أند مارسال"، تاركة للحكومة الجديدة القرار بالتعاقد مع شركة تدقيق جنائية اخرى. وبغض النظر عن المدة التي سيتطلبها مثل هذا الإجراء فان السؤال الأساسي يبقى ان كانت الحكومة الجديدة ستقدم على مثل هذه الخطوة، خصوصاً في حال كان أركانها يقفون في صف المصارف ومصرف لبنان.

المصدر: نداء الوطن