Advertise here

العودة إلى الأصالة في مواجهة كورونا.. فلنصغِ لكمال جنبلاط: "ليكن سلامنا من بعيد"

30 تشرين الأول 2020 13:08:18

جاء فيروس كورونا ليفرض علينا شروطاً في حياتنا اليومية اعتبرها البعض قيوداً، الأمر الذي يجافي عمق الأمور وحقيقتها. ويكفي أن نعود إلى فكر كمال جنبلاط لندرك أن بعض ما فرضه كورونا إنما يعيدنا إلى أصالةٍ فينا قد تجاهلنا وجودها لزمنٍ طويل.

وكم هو رائعٌ في حديثه عن السلام عندما يقول: "قد يكون السلام فيه من الرجولة وحلاوة التوجّه، في آنٍ واحد، ما يضفي عليه صفةً من القوة وضرباً من الاعتزاز، فيوحي بالثقة بالنفس وبالصراحة، وبالثقة بالآخرين، وهو أفضل السلام، على ما تعوّدَتْه في ذلك الشعوب ذات التقاليد العريقة في الفروسية والشهامة والشجاعة المعنوية، من الرومان، وقدماء اليونان، والعرب وسواهم؛ فكان سلامهم عن بعيد دون أن يضع الرجُل يده في يد الآخر، ودون مصافحة، أو معانقة. وفي هذا الابتعاد المقصود، والتجنّب المتعمد، أكثر من دلالةٍ على تقدير الإنسان لأخيه ورفيقه، والاقتصار في كل ما يخرج عن عفوية التصرف، وبساطة المواجهة، ورصانة الالتقاء. وفي كل هذا نفَسٌ من الترحيب، وصفةٌ من الصداقة والأخوة، ومرتبة من المساواة لا تتوفر في غيرها من أنواع السلام ممن يصافحك، فيكاد يخلع يدك من كتفها لشدة ما يصطنعه من قوة الجذب، أو يستولي على يدك فلا يكاد يتركها، وسواها من الأطوار في سلام الناس".

فما معنى السلام، كما يقول جنبلاط، إلّا تمنٍّ ورجاء بأن يحلَّ السلام، أي السلم الروحي العميق في الشخص الآخر الذي يتوجّه إليه السلام. ولذا قيل، السلام عليكم، ولكم السلام، وسواها من الألفاظ الجميلة. وليكن السلام معكم على حد التعبير الإنجيلي الجميل.

فالسلام في معناه الشرقي الأصيل هو أن نتمنى للآخرين في ساعات النهار وآناء الليل، أن ينعموا بالسعادة الحقيقية، وأن تبتعد الهموم والأفكار المغرقة، والهواجس، والوساوس عن عقولهم وقلوبهم، فتتحقق فيهم نعمة السلام، وهو أفضل ما نتمناه ونرجوه لهم.

نعم نحن بحاجة للعودة إلى الأصول، ففيها خلاصنا من الكثير من العادات المشوّهة، وفيها مصدر سلام، وخير، وفرح عميق، وصحة.

 وصحيح أن كورونا قد فرض علينا إعادة تكوين عاداتنا، ولكن لا ضير في ذلك. وقد كتب كمال جنبلاط في كتابه "أدب الحياة": "فلنعد إلى هذه العادات الجميلة القديمة في السلام، فهي من نتاج اختبارات الأجيال، ولم يبتدعوها عبثاً. وليكن سلامنا من بعيد، ولتكن فيه علامات المروءة، والرجولة، والتواضع، وحلاوة اللفظ، وأدب التطلّع والتوجه في آنٍ واحد، فذاك هو الأفضل".

فليس كل ما يفرضه علينا كورونا هو تغيير في نمط حياتنا نحو الأسوأ، أو انتزاعٌ من المجتمع، كعدم المصافحة والتقبيل في المناسبات الاجتماعية، فبعضها سيُعيدنا إلى جميل ما كنا قد تخلّينا عنه... فلنصغِ إلى كمال جنبلاط في هذا الزمن أكثر من أي وقتٍ مضى.