Advertise here

من يمتلك الجرأة بالاعتراف بالطائفية اللبنانية

28 تشرين الأول 2020 19:43:35

تحت ذريعة الميثاقية خُرِق الدستور مراتٍ عديدة. وتحت حجة العرف مُزّق الدستور مراتٍ عديدة.

شرب اللبنانيون مرارة كأس الحروب في محطاتٍ كثيرة نتيجة الخوف على المصير من هذه الطائفة أو تلك. أُفرغت المؤسّسات الرسمية من مضمونها، وأصبحت هياكل يعتريها الترهّل، والسمسرات، والرشوات، بسبب تقاسم الحصص المذهبية، وقطع الطريق على الكفاءات الإدارية للمواطنين تحت حجة توزيع المراكز وفق المذاهب.

خاض الشعب اللبناني بغالبية فئاته ثورةً شعبية ضد الفساد، وضد هدر المال العام، وضد تردي الوضع الاقتصادي، لكنّه اصطدم بالطائفية المترسخّة في النفوس، لا بالنصوص.

 انقسم الشعب بتصنيف رجال السياسة وفق درجات انتماءاتهم المذهبية فقُضي على الثورة، وقُضي على الاحتجاجات الشعبية. لم يُخلق البديل لأن الطروحات تتم وفق الهيكلية المذهبية للنظام اللبناني، والذي ينعكس وفق مكوّنات البيئة الاجتماعية.

وكم من ظاهرةٍ نلمسها على تفشّي الظاهرة المذهبية في الحياة الاجتماعية وحتى العملية. نصادف على سبيل المثال لا الحصر مواطناً يُنجز معاملةً ما في الدوائر الرسمية، فيسأل بشكل بديهي إذا كان الموظف من جماعته أم لا. يدخل المواطن المستشفى فيتساءل إذا كان الطبيب أوالممرضة من جماعته أم لا. يدخل مطعماً وإذا شعر أن النادل من جماعته ينشرح صدر النادل والمواطن على حدٍ سواء. وطبعاً المقصود بالجماعة هو الانتماء لنفس المذهب، وليس لنفس الخط السياسي.

إن المسؤولية حول ما وصلت إليه البيئة الاجتماعية للشعب اللبناني تعود إلى الدولة اللبنانية، والتي تمارس السلطة فيها أحزاب تتبنى الدفاع عن مصالح مذاهبها، وليس مواطنيها. والمواطن يعتبر في نفس الوقت أن الطوائف المتمثلة بأحزابها هي الملتجأ الوحيد لحل مشاكله، وتأمين حاجياته.

 وها هو تشكيل الحكومات في لبنان ينطلق من ثابتةٍ أساسية هي أن أحزاب المذاهب هي التي تسمّي وزراءها، وهي التي تختار وزاراتها لتمثيل مذهبها، فيتم حصر هذه الوزارة لهذا المذهب ومنع تولي تلك الوزارة لذلك المذهب. وأصبح انتماء المواطن اللبناني في وطنه وفق درجات للمواطنية، والتي تعكس انتماءه المذهبي، إنها بصريح العبارة العنصرية بامتياز.

إذا كانت بعض الأحزاب تنتهج مخاطبة جماهيرها وفق موقعها المذهبي. وإذا كانت نفس الأحزاب تنتهج سياسة تصب في خانة مصالح ونهج مذهبها، وإذا كانت تجيش وفق الشعائر الدينية، فبأي طريقةٍ يتم تطوير التفكير العقلاني للمواطن اللبناني، ولذلك لن يتم تعديل وتطوير قانون الأحزاب في لبنان لأنها تتعارض مع وجود أكثرية الأحزاب والتنظيمات المتواجدة على الساحة اللبنانية، والتي تتحكّم بمفاصل الحكم. 

وقانون الأحزاب يذكّرنا بقانون الإعلام المرئي والمسموع حيث أصبحت القنوات التلفزيونية والإذاعية بغالبيتها تمثّل مذاهبها، مع العلم أن القانون وُضع لعكس ذلك.


أمام هذا الواقع المرير فإن كل كلامٍ عن جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، أو شعار الانتقال إلى الدولة المدنية، أو شعارات التعايش والانصهار الوطني هي كذرّ الرماد في العيون، وهو حقٌ يراد به باطل. والحل يكمن بالاعتراف بالممارسة الطائفية على صعيد النظام، وإنشاء مجلس شيوخ يعطي الطمأنينة لكافة المذاهب، وتغييرٍ جذري لقانون الأحزاب قبل تغيير قوانين النظام اللبناني. فهل يُسمح بهذه الخطوة؟ بالطبع لا، وأقلّه في المدى المنظور، لأنه من يتمتّع بنعيم السلطة من خلال الامتيازات المذهبية لن يتخلى عنها بسهولة. والثورة لن تنجح لأن الشعب منقسمٌ مذهبياً، للأسف.

 هذا هو لبنان، وسيبقى يدور في حلقةٍ مفرغةٍ تطيح باستقراره العواصف العاتية التي تطل على المنطقة بفترات زمنية دورية.

إنها المزرعة اللبنانية.
                                
*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية