إن عملية ترسيم الحدود البحرية (والأفضل لو أُطلق عليها تحديد الحدود) التي تقوم بها الدولة اللبنانية بموافقة، ومباركة، ورعاية، من دولة الحزب الحاكم، والتي تتزامن مع مسيرة عمليات التطبيع التي تجري في العديد من الدول العربية، ليجاز من وصفها أنها "ليست بالبريئة" بنفس الوقت على الصعيد المحلي، بحيث يمكن ربطها بتقويض مفاصل الاقتصاد اللبناني تقويضاً مبرمجاً بدأً مع إشعال حرب سعر صرف الدولار، وتفريغ السوق اللبناني منه، إلى ازدياد عمليات التهريب للسّلع والمواد المنشّطة للاقتصاد عبر البوابة السورية، والتي أسهمت بتراجع العائدات الضريبية للخزينة اللبنانية، وبالتالي إلى تراجع في معدّلات النمو الاقتصادي، والتي قد تؤدي إلى ضياع ما تبقى من الاحتياطيات اللبنانية في المصرف المركزي، ومعها أن تتبخّر أموال المودعين من البنوك. هذا بالترافق مع محاولات ضرب دعائم الحالة الاجتماعية للمجتمع اللبناني من فقدان الدواء، والتضييق على القطاع الاستشفائي.
ومع انفضاح مآرب ما يسمى بثورة 17 تشرين، وظهور الانقسامات فيها إلى العلن، والتي بانت واضحةً في نهاية سنتها الأولى، سواء من حيث ضعف المشاركة، وفي تحويل الأنظار من موقعها الأساس أي ساحة الثورة إلى المرفأ في محاولة الضرب على الوتر العاطفي لتأثير "الثورجيين" على مشاعر أهالي ضحايا المرفأ، وما لأثرها السلبي على الاقتصاد.
كل تلك المجريات تزامنت، ومنذ وقتٍ ليس ببعيد مع إطلاق عملية "صفقة القرن"، مما يعني جرّ لبنان إلى الرضوخ لعملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي بعد انفضاح الشراكة بينه وبين حزب الله.
وما على المتابع إلا العودة إلى تصريح جبران باسيل حينما كان وزيراً لخارجية لبنان بقوله إنّه، "لا يوجد بيننا وبين إسرائيل من عداء أيديولوجي استراتيجي"، وكأن هذا التصريح مشهدٌ تمهيدي لشراكة مرتقبة مع إسرائيل، ثم ربطه بتشكيل حكومة حسان دياب بمباركة واضحة المعالم من حزب الله، والتي اصطدمت بعدم مشاركة قوى مؤثّرة فيها، وأولّها الحزب التقدّمي الإشتراكي الذي وعى رئيسه، وليد جنبلاط، دقة المرحلة فأعلن جهاراً عدم مشاركته مما أربك مسيرة حكومة دياب، وفضح الغاية منها لتوضع في خانة تصريف الأعمال، وما تبعها من محاولات لعدم إنجاح تشكيل مصطفى أديب لحكومة بديلة. وهذا ما يفسّر الحملات المنظّمة ضد وليد جنبلاط.
وما على الشعب اللبناني سوى الانتظار لمفاجآت أخرى!
فهل من مشكّك؟!.