لا شكّ بأن الحكومة التي كان المنوي تأليفها، لو أبصرت النور، لكانت قد أدخلت إلى النفوس شيئاً من الطمأنينة، ولأثلجت القلوب، ولرفعت عن كاهل المواطن هاجس الخوف، ولخفّفت من المناكفات، والتجاذبات، والمماحكات الدائرة بين بعض القوى السياسية منذ سنين وسنين.
حكومة كان يأمل بتأليفها اللبنانيون الكثير من الانجازات، لا سيّما لجهة تثبيت الأمن، وتحسين الوضع الاقتصادي، الذي طاول الطبقة الشعبية أكثر من أي وقت مضى، وتحقيق الكثير من الإصلاحات، خصوصاً وأنها كانت ستضم نخبة من الخبراء والاختصاصيين المشهود لهم بنجاحاتهم وإنجازاتهم، خاصةً وأنها كانت ستأتي في إطار لجم مناخات التوتر، والجفاء، والمشاحنات السياسية السائدة، وصولاً إلى التهدئة، وتعزيز الوحدة الوطنية، علماً أنه كان من الطبيعي تأليفها لحظة كُلّف من كُلف.
إلّا أن ما شاب البلد من أوضاع غير مريحة، إضافةً إلى تداخل عوامل إقليمية ومحلية، حال دون ولادتها، فتأخرت مسيرة الإصلاح السياسي، والاقتصادي، وبسط الدولة سيادتها على كامل التراب اللبناني، ومعالجة الوضعين المعيشي والحياتي.
ولطالما كانت مهمة الحكومة جمع الشمل، ورأب الصدع، والنهوض بالبلد على جميع الأصعدة والمستويات، درْءاً لِما قد يوصل الوطن إلى شفير الانهيار، وعمق الهاوية، لكن هبّت رياح عاتية ألبستها لبوساً مغايرةً من شأنها إشاحة النظر عن قيام حكومة كان بإمكانها التأسيس لمشاريع وقوانين يُبنى عليها فيما بعد، وفي مقدمها التأسيس لقانون انتخابيٍ عادل يريح اللبنانيين ويحقق طموحاتهم وتطلعاتهم، ويعزّز العيش المشترك، ويغلِّب المنطق الوطني على المنطق الطائفي، كما يتضمن برنامجاً اقتصادياً ينقذ اللبنانيين مما يتخبطون فيه من أزمات.
لقد كان من المتوقع أن تأتي هذه الحكومة، لو قُيّض لها الوصول، ببيانٍ وزاري، يتضمّن أكثر ما يتضمّن التمسّك بالثوابت، وفي مقدّمها التمسّك بوثيقة الوفاق الوطني، وبمشروع الدولة، وبسياسة النأي بالنفس، والالتزام بمقررات الشرعية الدولية، وهو ما يؤمّن استمرار الدولة، ويحافظ على مقوّمات ومكوّنات الشعب، كل الشعب، بما يحول دون الوقوع في فخ الفراغ، وقيامة لبنان الغد، لبنان المستقبل.
من هنا، فإن توليف أي حكومة جديدة، يجب أن يؤسّس لشراكةٍ حقيقية، ولعقد اجتماعيٍ جديد، يُرسي أسس تسويةٍ نهائية تساهم في صُنع لبنان جديد، لبنان ديمقراطي على شاكلة الدول الديمقراطية المتقدمة، منعاً للإيغال بالفوضى، والاستئثار، والاستفراد.
إن ما يحدث الآن من متغيّرات، ومتحولات في المنطقة يزيد الجميع قناعةً بأنّه لا بديل عن شدّ الأيدي بقاءً للبنان نموذجاً، وهوية، وانتماءً عربياً، وساحة حرية، كما قال الرئيس وليد جنبلاط.
وعلى هذا نأمل بحكومةٍ بحلّة جديدة، لعلّ ما نفتقده اليوم نحقّقه غداً. فلنختصر الزمن، وقبل أن يداهمنا الوقت؛ فلْنتّفق.