قبل بلوغه المئة عام أُسقِطَ الكيان

10 تشرين الأول 2020 20:56:48

لبنان السيادة والاستقلال. لبنان الاقتصاد الحر، والتنوع، والازدهار. لبنان الديمقراطية، والحرية، وحلم الدولة المدنية، سقط... قبل بلوغه العمر البشري الكامل، مئة عام.

شكّل التوافق الوطني اللبناني الذي مهّدت له المصالحة الوطنية في الجبل برعاية الزعيم وليد جنبلاط، وغبطة المغفور له الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، نقطة تحوّل أساسية في المسار التقليدي في علاقة التبعية السياسية التي فرضها النظام السوري  عبر أجهزته المخابراتية، والتي كانت تحكم لبنان بالقبضة الحديدية، وتتحكّم بسياسته الداخلية والخارجية؛ كما أنه شكّل المنطلق للصوت السيادي المطالِب بانسحاب الجيش السوري من لبنان وفقاً لنصّ اتفاقية الوفاق الوطني (الطائف)، وأسّس لقيام معارضة واقعية فاعلة انضمّ لها فيما بعد الرئيس رفيق الحريري، ممثّل الأكثرية المعتدلة في الطائفة السنّية.

إن المعارضة الرافضة لإملاءات النظام السوري بالتمديد للرئيس إميل لحود، والذي كان عهده يمثل نموذجاً عن لبنان المحافظة التابعة والمطيعة، والتي كان يحكمها فعلياً ضابط مخابرات.

استطاعت هذه المعارضة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري أن تصنع استقلال لبنان الثاني، وأجبرت النظام السوري على الانسحاب من لبنان، وأسقطت نظام الوصاية تحت ضغط الجماهير الثائرة في ساحة الحرية على إثر عملية اغتيال رئيس مجلس الوزراء، الشهيد رفيق الحريري. وكانت القوى الرافضة في حالة تربصٍ تنتظر الفرصة السانحة للإلتفاف والإنقلاب على الاستقلال الجديد عبر  مصادرة قرار الدولة في السلم والحرب، فأصبح القرار السياسي الداخلي والخارجي يخضع لنفوذ المعادلة الإقليمية التي فرضت بقوى السلاح، والذي تُرجم سياسياً باتفاق الدوحة الذي شكّل انقلاباً حقيقياً على اتفاق الطائف، وعلى ما حقّقته ثورة الأرز في العام 2005، ليبدأ عهد وصاية جديدة يُدخل البلد ضمن ما سُمّي محور الممانعة، وتعطيل الدستور، والانقضاض على السيادة، وفرض سياسات جمهورية الوصاية. 

وفي ذات الوقت، كان هوس فريق آخر بالوصول الى رئاسة الجمهورية، حافزا له تلاقت مع حاجة حزب الله لشريكٍ لبناني يؤمّن الغطاء المسيحي المطلوب. فولدت صيغة غريبة مارست التفرّد، والاستئثار، والسيطرة على كامل مقدرات الدولة التى أصبحت مستنزفة، فأنتجت الانهيار الاقتصادي والعزلة العربية والدولية.

ولتكتمل المأساة حصل تفجير مرفأ بيروت، بالتزامن مع ترسيم خريطة جديدة للمنطقة تتسابق على رسم حدودها قوى إقليمية ودولية، شهيّتها نهمة لتقسيم المقسّم، وتفتيت المفتّت. ولبنان لا يشكّل ضمن التركيبة السياسية والطائفية الموجودة عقبةً في وجهها، كون الورقة اللبنانية ممسوكة يحرّكها اللّاعب الإقليمي القادر على قلب الطاولة الداخلية، وبالتالي استعمالها كوسيلة ضغط على طاولة المفاوضات الدولية.

هذا ما حصل مع المبادرة الفرنسية التي أُسقطت بقرارٍ إقليمي ودولي، وبوضوحٍ لا يقبل الشك، واستُكمل بإعلان "اتفاق إطار" بمباركةٍ أميركية.

أُسقط الكيان قبل المئوية الأولى، واتفاقيات الإطار التي سوف تحلّ محلّه ليكون لبنان الكيان متعدّد الصور المُبرْوَزة ضمن إطار.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".