Advertise here

الجزائر على عتبة تغيير

27 شباط 2019 11:19:00 - آخر تحديث: 27 شباط 2019 15:37:24

الذين يعرفون الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، من أبناء البلاد، ورجال السياسة، وقادة الأحزاب الموالية، والمعارضة، يتوقعون أن يتخذ قراراً حاسماً بصدد ترشحه لدورة رئاسية خامسة، أو توجيه رسالة إلى الشعب يشكره فيها على ولائه وتعاونه الإيجابي مع الحكم، ثم "يستأذنه بالانصراف" كما كان يقول الصحافي المصري العربي الكبير محمد حسنين هيكل.

حتى مطلع هذا الاسبوع كان الشعب الجزائري منقسماً بين مؤيد التجديد للرئيس بوتفليقة، ومعارض يعبّر عن رأيه ويملأ شوارع الجزائر – العاصمة، بدءاً من تلة "المرادية" حيث القصر الرئاسي، حتى شارع "ديدوش مراد" وقصر الميناء الذي كان المقر الرسمي لدولة الاحتلال الفرنسي وتحوّل مقراً لـ"جبهة التحرير الوطني الحاكمة".

وإذ غادر الرئيس بوتفليقة يوم الإثنين الماضي إلى سويسرا لمتابعة العلاج استمرت دوائر القصر في إصدار التقارير والتصريحات ضد الجبهات المعارضة المستمرة في حشد الجماهير بمئات الألوف من كل أطياف العاصمة والضواحي داعية إلى التغيير في السلطة عبر إنتخابات رئاسية جديدة.

هذه الحال مستمرة في شوارع الجزائر منذ عقود، وقد اشتهرت العاصمة في أواخر القرن الماضي بظاهرة "الحيطيست"، وهي التسمية التي اطلقت على ظاهرة الشبان الذين يجتمعون خلال الليل في الساحات والشوارع العامة، وهم يسندون ضهورهم إلى الجدران بانتظار طلوع الفجر ليعودوا إلى منازلهم المكتظة بالعائلات لأخذ حصتهم من النوم في الأمكنة التي يغادرها آخرون.

وسنة بعد سنة، تزداد الأجيال الجزائرية، وتضيق فرص العيش بالأقل من الممكن، ويزداد العجز في الخزينة، وفي قوت الشعب، وفي الخدمات العامة، بدءاً من الطبابة والضمانات مع البطالة، والفقر والعجز العام.

في ذلك المناخ نشأت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" المتطرفة، وراحت تستغل أزمات الجزائريين، وفقرهم، ويأسهم، وقد تمكنت من إختراق مجتمعات بائسة بتحريضها على التصدي للقانون، والأمن، وتمكنت من تأسيس حال من التمرد على الحكم، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المدن في السهول والجبال.

هو العقد السادس من عمر الثورة الجزائرية التي قهرت الامبراطورية الفرنسية بعد إحتلال دام أكثر من قرن توالدت خلاله أجيال عاشت ورحلت في بؤس وغربة عن عالم المدن والحرية والرخاء والتقدم... ثم إندلعت الثورة وإنتصرت، وتصاعدت أجيال تتطلع إلى المدنية، والعلم، والكفاية، والطمأنينة، والطموح إلى عطاءات العصر الأوروبي.

لكن، ما ان إستردت الأجيال الجزائرية الطالعة إلى الحياة الطبيعية دورها وطموحها إلى مستقبل يجاري العصر حتى بدأت تواجه الحكم العسكري باللباس المدني، وإذا كان الرئيس الإستقلالي الأول أحمد بن بللا قد حظي بفترة رئاسية حافلة بالأمجاد الوطنية والقومية في داخل الجزائر، وفي المدى العربي المفتوح، فإن العهود التي توالت على الشعب الجزائري لم تتأخر حتى دخلت في معمعة الأنظمة العربية المستحكمة تحت شعارات الحرية والديموقراطية والعدالة والرخاء.

وبالعودة إلى الوضع الراهن في ظل حال الرئيس بوتفليقة، فالأمل ما يزال كبيراً بأن يعبر الشعب الجزائري هذه المرحلة إلى جمهورية مدنية ديموقراطية تعيد النظر في مسيرة الإستقلال منذ نحو ستة عقود مضت من عمر الشعب البطل الذي إستحق الإستقلال بدماء وأرواح المليون شهيد.

ولن يغيب عن ذاكرة الشعب الجزائري ذلك الزمن "يوم هزّ الثوار السلاح وطلعوا الجبل...".

شفا الله بوتفليقة... فهو يستحق الحياة... وللجزائر العدالة والديمقراطية.