بعد تضعضع وتصدّع المبادرة،
قال وليد جنبلاط... مِن أين نأتي بالتسوية للمبادرة؟؟!!
وحقّه، ونحن معه، أن نسأل "إلى أين.."؟؟!!
وهذا ما حدث، والعلم عند اللّه بما سيحدث.
استقالت حكومة حسان دياب، "حكومة المستشارين" هرباً من غضب الشعب والمسؤولية وتداعيات الإهمال الذي أدّى إلى كارثة ومجزرة المرفأ، لا بل بركان وزلزال الرابع من آب.
جرت استشارات لتكليف رئيس حكومة.
وهذا شأن طبيعي. ولنعتبره جاء، وجرى وفق ما يسمى أصولاً دستورية. وتمّت تسمية السفير مصطفى أديب رئيساً مكلفاً.
هذا شأنٌ طبيعي أيضاً، وعند هذا الحد شبه التباس بما يسمّى بالديموقراطية اللبنانية.
لأنه قبل، وبعد ذلك، حدث ما لا يتفق عليه بالنصوص الدستورية والسيادة والاستقلال، وهي المحاصصة، ثمّ العقبات والمداورة والأعراف، ويأتي شريكان جديدان بالمشاورات والقرار، هما العناد والتعالي...
حاول وليد جنبلاط، وبكل جهد، ومن قراءته وتطلعاته، أن لا تضيع المبادرة الفرنسية.
نعم. فلبنان الآن بدقة ظروفه، وليس بدستوره وقوانينه والاستشارات والتكليف، والتشكيل وبأسماء، وحقائب، بل لبنان يشبه القوى المحلية والقوى بمحيطه، في صعودها ونزولها، وفي وفاقها وانشقاقها، وفي اعتدالها وممانعتها.
ومن لا يعترف بأن لبنان ساحةً مفتوحة على كل الصراعات فإنه مصابٌ بقصر نظر، أو أنه نسي التاريخ. أما الاعتراف بذلك فلربما هو منجاة للبنانيّين لأنه يدفع الفرقاء في لبنان لبحثٍ دائمٍ عن تسوية، وإذا تخلفت، فلا بد من مجازفٍ جريء ومبدع، ومحاورٍ ليخترع المعادلة.
وإذا فات اللبنانيين مثل هذه القيادات، فسوف يستمر البلد في الفراغ، أو ما يسمّى تصريف الأعمال.
فلنقتنع أن الوطن أولاً، والتسوية ثانياً، وكل شيء آخر يأتي بعد....
وإن سلّمنا جدلاً بأن القوى المتصارعة، ومهما كانت بعض قضاياها محقة، أو منطقية، لكن الوطن وشعبه الأهم، والأغلى، والأثمن، وله وحده تقرير المصير في خضّم المجاعة، والقلق، والخوف، والانهيار، والانتحار الجماعي.
ولربما لو اقتنعوا بتقريب وجهات النظر التي قدّمها وليد جنبلاط لكنّا نجونا، ولو موقتاً في أدق وأخطر ظرفٍ تاريخي يمرّ به لبنان.
ومن حق وليد جنبلاط أن يطالب الجميع بالتنازل، والتواضع من اللّه لا أكثر ولا أقل.
ونحن، والحالمين بوطن سيّد حرٍ مستقلٍ بقراره وأرضه، علينا أن ننتظر، لأن الانتخابات الأميركية لم تنتهِ، والبورصة تتصارع، والتسويات الخارجية بطيئة، والوطن بحاجة لتعجيلها.
إن التغاضي هو انزلاق لمنحدرٍ بما لا تُحمد عقباه من عواقب وخيمة على الوطن برمّته.
فيا متفذلكين ومتفلسفين. يا حريصين على حقوق الآخرين وصلاحياتهم الدستورية، اعملوا أنتم ما عليكم، والباقي دعوه للآخرين يدافعون عنه، ولا تكونوا من يغطي السماوات بالقبوات وعلى رؤوس الأشهاد، كفى استخفافاً..