"المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، قاعدة قانونية جوهرية إذا اعتُمدت تؤمّن دقَّة التمييز بين ظالمٍ ومظلوم، وبين مجرم وبريء. لذلك كان لا بدَّ من إعطاء المشتبه به حقوقه الكاملة، والتي تنسجم مع حقوقه كإنسان، قبل الملاحقة والاحتجاز، والتوقيف، والمحاكمة وفي أثنائها، وصولاً إلى الحكم ببراءته أو بإدانته.
ولكن هذه القاعدة القانونية في الواقع تُستبدل بالمثل الشعبي، "ياما في السجن مظاليم". فكم من سجينٍ بريء حُكِم وعوقِبَ على جرمٍ لم يرتكبه، إن كان لعدم حيازته المال لتعيين محامٍ يدافع عنه، أو أنه اعترف بجرمٍ لم يرتكبه تحت التهديد أو الإكراه، فأتت المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لإعطاء المشتبه به حقوقه الأساسية.
فخلال الجلسة التشريعية الأخيرة أُقر قانون تعديل المادة 47، حيث يضمن لكل مشتبهٍ به حق الدفاع عن نفسه في التحقيق الأولي أمام الضابطة العدلية، وفي حضور محاميه، ومع التسجيل بالصوت والصورة.
وتنصّ المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية قبل تعديلها على حقوقٍ للمحتجز وحقوق للمشتبه به فور احتجازه لضرورات التحقيق. وهذه الحقوق هي: الاتّصال بأحد أفراد عائلته، أو بصاحب العمل، أو بمحامٍ يختاره، أو بأحد معارفه، والاستعانة بمترجمٍ محلّف إذا لم يكن يُحسن اللغة العربية، بالإضافة إلى الحق في معرفة الشبهات القائمة ضدّه، والأدلة، والحق في الحصول على معاينة طبية مجانية، نفسية وجسدية، كما وتعيين محامٍ مجاناً إذا كان متعسراً مادياً.
أما بعد التعديل، فبات يمكن للمحامي أن يحضر الاستجواب مع المدّعى عليه أمام الضابطة العدلية.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون كان لا يسمح لمحامي المحتجَز حضور جلسة التحقيق التي تتم أمام الضابطة العدلية بحجة منع التأثير سلباً على مجريات التحقيق، أو الخشية من تنبيهه إلى مخاطر الإقرار بجريمته، أو ببعض الحقائق التي قد تدينه أو تساعده في التهرّب من تبعات أفعاله الجرمية التي اقترفها.
كانت كل الكتل النيابية مؤيدةً لهذا الاقتراح، كما كان لكتلة اللقاء الديمقراطي مداخلة حول الموضوع، فاعتبر عضو اللقاء، النائب بلال عبدالله، في اتصالٍ مع "الأنباء" أن، "هذا القانون هو بمثابة خطوة متقدمة لعدم العودة إلى مفهوم الدولة الأمنية، حيث يكون الأمن هو الغالب على القضاء، وسوء استخدام هذه الوجهة. وثانياً هي خطوة متقدمة باتّجاه تكريس حقوق الإنسان الكاملة لكي لا يمارَس أي تعسفٍ تجاه أي موقوف قبل أن يكون محكوماً".
وأشاد عبدالله بموقف نقابتَي المحامين في بيروت وطرابلس أثناء مناقشة هذه المادة في لجنة الإدارة والعدل، حيث أعلنتا أنهما ستتكفلان بتعيين محامين للموقوفين الذين لا قدرة لهم على تعيين محامٍ خاص، وحيث سيكون هناك جدول محامين مداومين دائماً لهذه الغاية".
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن الموضوع وأهميته، أكّد رئيس منظمة "جوستيسيا"، الدكتور بول مرقص، في حديثٍ مع جريدة الأنباء "الإلكترونية" أن التعديل الذي حصل على المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية له علاقة بمبادئ المحاكمات العادلة، معتبراً أن هذا التعديل انتصارٌ لحقوق المتّهم، وحقٌ من حقوق الدفاع المقدسة بحيث يكون للمشتبه به محامٍ حاضر معه بالتحقيقات الأولية التي من المعروف أنه يحصل فيها نوعٌ من التعذيب، أو الحط من الكرامة الإنسانية، أو الحرمان من حقوقه، أو التحريف في أقواله.
وقال مرقص: "اليوم، وبعد التعديل أصبح من غير الممكن حصول كل هذه الأمور طالما أن المحامي حاضر، وسيواكب المشتبه به في كافة مراحل التحقيق الأولي".
ورداً على سؤال في حال عدم تواجد محامٍ في التحقيقات، فهل يُعمل بنتائجها؟ أجاب مرقص: "إذا أراد المشتبه به أن يكون إلى جانبه محاميه، وتمنّعت الضابطة العدلية (عن إجابة طلبه) تُعتبر نتائج التحقيقات باطلة"،
خاتماً بالقول: "هذا فعلاً انتصارٌ لحقوق المتّهم، ولحقّ الدفاع، ولحقوق الإنسان".