Advertise here

"المالية" تبحث عن تعديل أسعار العملات.. كيف سينعكس الأمر على الضرائب؟

02 تشرين الأول 2020 14:18:02

في بلد يشهد انهياراً مالياً، ويواجه أسوأ أزمة إقتصادية معيشية في تاريخه، تتّجه وزارة المال فيه إلى تحقيق مكاسب مالية على حساب مؤسسات شبه منهارة، ومواطن يقترب من مواجهة الجوع.

ظن البعض أن الحديث عن التلاعب بآلية استيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة TVA مجرد شائعات، ليثبت العكس، ويتبين أن وزارة المال تبحث فعلياً باقتراح مقدم من مديرية الواردات إلى مدير العام وزارة المال بالإنابة، يتعلّق بـ"تعديل السعر الرسمي للعملات الأجنبية بغية استيفاء الرسوم الجمركية والضريبية على القيمة المضافة عند الإستيراد"، ماذا يعني ذلك؟ هل سترتفع الرسوم والضريبة على القيمة المضافة؟ وهل يعد الإجراء قانونياً فيما لو أُقرّ؟

تعديل سعر الصرف
نظراً لكون السوق اللبنانية تعتمد اليوم ثلاثة أسعار للدولار، هي السعر الرسمي 1515 ليرة (ويتم على أساسه دعم السلع الأساسية بنسبة 85 في المئة) وسعر المنصة الإلكترونية 3900 ليرة (ويتم على أساسه دعم سلع غذائية) وسعر السوق السوداء وهو متغيّر بشكل يومي ويقارب 8300 ليرة اليوم (ويتم على أساسه استيراد السلع غير المدعومة)، اعتبرت وزارة المال أن الاستمرار باستيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على سعر 1515 ليرة، من شأنه أن يؤدي إلى خسارة موارد كبيرة للخزينة، هي بأمس الحاجة إليها لاسيما بعد التدني الكبير في قيمة العملة اللبناينة.

وتجنّباً لتكبد الخزينة العامة الخسائر، اتجهت وزارة المالية إلى تعويض الخسائر تلك، من خلال اقتراح تعديل سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية إلى سعر يحاكي الواقع الفعلي لسعر تلك العملات، أي إلغاء استيفاء الرسوم والضريبة على السعر الرسمي 1515 ليرة، ورفعها وفق سعر صرف الدولار غير الرسمي. بمعنى آخر، رفع الرسوم والضريبة على القيمة المضافة بشكل غير مباشر.

تعويض الخزينة من جيوب المواطنين
ورأت المالية في اقتراحها لتعديل سعر صرف استيفاء الرسوم الجمركية والضريبية على القيمة المضافة، أن الارتفاع "البسيط" في أسعار السلع، الذي سوف يظهر في السوق، وينعكس على المستهلكين النهائيين، باعتبار أن التجار الذين يشترون من المستوردين بإمكانهم استرداد أو حسم الضريبة على القيمة المضافة، يمكن معالجته والحد من انعكاسه السلبي عليهم، من خلال اعتماد سياسة دعم مباشر للمستهلكين اللبنانيين، عبر تزويدهم ببطاقات تموين أو غير ذلك من تدابير مماثلة، لاسيما وأن العديد من السلع الضرورية معفاة من الضريبة على القيمة المضافة.

المؤسف في اقتراح وزارة المال، حرصها على تعويض الخزينة ما خسرته من جراء تعدد أسعار الصرف على حساب المواطن المستهلك والمؤسسات الإنتاجية، متجاهلة ما يتكبّده المواطن نفسه من خسارة يومية، وتراجع في قدرته الشرائية، وعجزه عن تأمين غذائة اليومي في ظل التضخم الحاصل. ليس ذلك وحسب، بل إن وزارة المال تجاهلت أيضاً رد فعل الأسواق على ارتفاع الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، والغلاء الإضافي الذي ستتسبب به هكذا خطوة. فوصفت ارتفاع الأسعار المحتمل بـ"البسيط". علماً أن التجارب السابقة اثبتت عكس ذلك، والأسعار الإستهلاكية كانت ترتفع بشكل عشوائي بالتوازي مع كل تعديل للضرائب.

ذرائع
تعرض مديرية الواردات في كتابها واقع الأزمة النقدية وما تعانيه مداخيل الخزينة. وكأن وزارة المال غير معنية بالانهيار النقدي الحالي والناجم بشكل أو بآخر عن الإنهيار المالي. استند الكتاب إلى أن لبنان يشهد منذ أواخر العام 2019 ارتفاعاً في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ووصل في مرحلة ما إلى نحو 10 آلاف ليرة. ويتم التعامل به اليوم في السوق السوداء بنحو 7000 ليرة (سعر الصرف بتاريخ صدور الكتاب)، في حين أن السعر الرسمي لا يزال عند 1515 ليرة. ونظراً لكون مصرف لبنان أصدر أكثر من تعميم أو قرار، للحد من تفلت سعر الصرف من دون جدوى، ما أبقى على تعدد أسعار الصرف بين السعر الرسمي وسعر التحويل عبر المصارف وشركات تحويل الأموال وسعر المنصة الإلكترونية والسعر في السوق السوداء، وبسبب الشحّ في  الدولار الأميركي في السوق المالية والمصرفية، ازدهرت ظاهرة استبدال الشيكات المصرفية بالدولار النقدي. إذ وصلت نسبة الحسم في تجارة الشيكات إلى حدود 70 في المئة من المبلغ الأساس.

وتسرد مديرية الواردات في كتابها الواقع اللبناني في ظل تعدّد أسعار الدولار، خصوصاً أن لبنان يعتمد على الاستيراد لتأمين الغالبية الساحقة من حاجاته، ونظراً لشح الدولار وصعوبة فتح الاعتمادات من خلال المصارف، ما لم يتم تأمين دولارات نقدية، وفي ظل اضطرار المستوردين للجوء إلى السوق السوداء للحصول على حاجاتهم من الدولارات، للتمكن من الإستيراد. وتدّعي ورود العديد من المراجعات إلى وزارة المال وإلى الإدارة الضريبية من المؤسسات والهيئات الاقتصادية، تطالب بإيجاد آلية للمعالجة الضريبية والمحاسبية للمشكلة الناتجة عن وجود أكثر من سعر للدولار الأميركي واضطرارهم لشراء الدولار من السوق السوداء، بسبب عدم قدرة الصيارفة المرخصين على تلبية كامل احتياجاتهم، أو بسبب عدم إصدار فواتير تحدد السعر الذي تم على أساسه بيع الدولار.

تلك الذرائع وغيرها، تتذرع بها وزارة المال لتمرير تعديل سعر صرف الدولار لاستيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، متخذة في اقتراحها غطاء قانونياً من المادة 35 من المرسوم رقم 4461 تاريخ 15/12/2000 من قانون الجمارك، التي تنص على أنه إذا كانت قيمة البضائع الواردة في الفاتورة محرّرة بعملة أجنبية، يتم تحويلها إلى عملة لبنانية على أساس معدل التحويل المعمول به بتاريخ تسجيل البيان التفصيلي، والمسند إلى معدلات التحويل التي حددها شهرياً أو دورياً مصرف لبنان.

غير قانوني
إذاً، تتجه وزارة المال وفق مصدر متابع للملف في حديث إلى "المدن" إلى درس الإقتراح وإصدار قرار إداري موقّع من وزير المال فقط، للسير بتعديل سعر الصرف للرسوم والضريبة. وهو ما يُعد وفق المصدر ضرباً للمؤسسات التجارية وضغطاً إضافياً على اللبنانيين الذين سيتعرّضون إلى مزيد من الضغوط المعيشية.

أما لجهة قانونية القرار الإداري المرتقب، فيجزم نقيب خبراء المحاسبة المجازين في لبنان والخبير الضرائبي، سركيس صقر، في حديث إلى "المدن"، أن طرح وزارة المال غير قانوني "وتعديل سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الرسوم والضرائب يحتاج إلى قانون واضح بتحديد سعر الصرف الرسمي لمصرف لبنان". فلا يمكن التعامل مع الرسوم الجمركية وفق السوق السوداء أو المنصة الإلكترونية بل وفق السعر الرسمي فقط.

هذا التوجه مخالف للقانون. وفي حال أُقرّ يمكن مواجهته، وفق صقر، بداية من خلال الإعتراض عليه، وتالياً من خلال الطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة.

المصدر: المدن