تراجع ملف تشكيل الحكومة مقابل تقدم ملف ترسيم الحدود. إذا كان تعطيل تشكيل حكومة مصطفى أديب قد حصل بسبب العقوبات الأميركية التي عرقلت المبادرة الفرنسية. فإن تلك العقوبات لم تعرقل المبادرة الأميركية نفسها.
هنا لا بد من تسجيل مفارقة لها تداعيات سياسية سترتسم ملامحها في المرحلة المقبلة. وقد تقود الملامح إلى استنتاج مبكر بأن ما جرى هو ضرب للمبادرة الفرنسية مقابل التنازل أمام الشروط الاميركية، وما يعنيه ذلك من إستمرار الإنهيار المؤسساتي اللبناني على مذبح صراع الأمم.
من قدم تنازلاً في ملف ترسيم الحدود، أراد تحصيل مكسب في المقابل، لن تتضح ملامح هذا المكسب حالياً لكنها بالتأكيد ستكون مرتبطة بالكيان اللبناني ونظامه والدستور. وقد يكون الهدف من تقديم التنازل في ملف ترسيم الحدود، تخفيف الضغوط السياسية في مجالات ثانية، لا سيما ملف تشكيل الحكومة.
قبل هذا التنازل كانت الشروط الأميركية تنص على عدم مشاركة حزب الله عبر أي وزير في الحكومة العتيدة، فهل يمكن لما جرى أن يغيّر الوجهة الأميركية؟ لم يصدر أي موقف علني يوحي بإمكانية هذا التغيير حتى الآن، وهذا يعني إما انه سيحصل بشكل غير مباشر أو أن كل الملفات ستكون معلقة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية.
ولكن الاكيد أن ما اعلن عنه وهو إتفاق الإطار بهدف إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود سيكون أمامه طريق طويل من جلسات التفاوض التي ستبرز فيها شروط كثيرة، لا تتعلق فقط بالشق التقني إنما لها إرتباطات سياسية واستراتيجية، ستكون محفوفة بالمخاطر، ومن بين هذه الشروط إلى جانب التفاوض حول المساحة الجغرافية، هي مسألة أسلحة حزب الله وصواريخ الحزب التي يجب تفكيكها. بالإضافة إلى توسيع صلاحيات قوات الطوارئ الدولية ومنع حزب الله من تخزين الأسلحة في المناطق السكنية.
إعلان الإتفاق لا يعني حلّ المعضلة، لا بل يعني أنه مع كل جلسة تفاوضية سيتم ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان لتقديم تنازلات جديدة، وهذا سيبقي الواقع اللبناني مفتوحاً على إحتمالات كثيرة الخطر.