صديق لبنان الكبير

30 أيلول 2020 16:25:00 - آخر تحديث: 30 أيلول 2020 18:01:07

برحيل سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، خسر لبنان اخاً كريماً وصديقاً نبيلاً أحبّ لبنان وإعتبره دائماً وطنه الثاني وأحب اللبنانيين وتواصل معهم على انهم اهل وأخوة مرحبّ بهم في دولة الكويت الزاهرة.

عرفت الشيخ صباح الأحمد للمرة الأولى سنة 1960 عندها وجّه دعوةً لي  كرئيس تحرير جريدة "الأنباء" لزيارة الكويت. كان هو في الواحدة والثلاثين من سنين عمره وكنت انا في الرابعة والعشرين.

لم يكن بعد في الكويت وزارة للإعلام بل مصلحة أو مديرية في بيت من الطين.

الشيخ صباح الأحمد هو الذي أسس وزارة الإعلام في دولة ا.لكويت وإبتنى لها مبنى من عدة طبقات ضم الأقسام  والمصالح المستحدثة وما زال المبنى قائماً حتى أيامنا. وهو الذي أقام العلاقات بين الكويت والعالم العربي والخارجي.
وقامت بيننا صداقة أسست لعلاقات أخوة وتفهم وتفاهم دامت عقود من السنين.

من الإعلام إنتقل الشيخ الاحمد الصباح إلى وزارة الخارجية : وزيراً لها  خلفاً لسمو الشيخ "صباح السالم الصباح" الذي تسلم منصب أمير الكويت خلفاً لشقيقه الشيخ "عبدالله السالم الصباح" الذي نالت الكويت إستقلالها أيام حكمه.

تسلم الشيخ صباح الأحمد وزارة الخارجية في دولة الكويت لمدة زادت على الثلاثين سنة، وإعتبر أول شخص يستمر مثل هذه المدة في وزارة الخارجية في أي بلد في العالم بإستثناء ربما السيد غروميكو وزير خارجية الإتحاد السوفياتي الأسبق.

وترك الشبخ صباح بصماته في وزارة خارجية بلاده بما حقق من إنجازات لصالح الكويت وعلاقاتها العربية والدولية.
ولأنه أحبّ لبنان فقد  إبتنى الشيخ صباح الاحمد قصراً على رابية جميلة من رويسات صوفر وكان يحضر كل سنة في فصل الصيف لقضاء قسم من الصيف في الربوع اللبنانية.

وقامت علاقات ود ومحبة وأخوّة بين الزعيم الوطني كمال جنبلاط وبين امير دولة الكويت الشيخ صباح السالم الصباح ووزراء الخارجية الشيخ صباح الأحمد  ووزير الداخلية والدفاع الشيخ سعد العبدالله ووزير الإعلام الشيخ جابر العلي بنيت على أساس الإحترام المتبادل والثقة والتفهم والتفاهم لخير الشعبين ولمصلحة الشعبين.

وقام "المعلم" بأكثر من زيارة للكويت بدعوة من أميرها ووزرائها وأذكر جيداً  انه يوم قام "المعلم" بزيارة الكويت بصفته وزيراً للداخلية سنة 1969 إستقبله وزير الداخلية والدفاع الكويتي الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وقال له "أعددنا لك برنامجاً لزيارة السجون الحديثة في الكويت: فإبتسم كمال جنبلاط وقال له " دعونا من السجون واجوائها فبعض الانظمة العربية كاد ان يحول الوطن العربي الى سجن كبير".

وفوجىء الشيخ سعد بالكلام فسأل ضيفه: وماذا تحبّ أن تزور إذاً؟ فربت كمال جنبلاط على كتفه وقال له: أنت تشبه بطلتكّ إلى حد كبير الفارس العربي عنترة بن شداد.. فدعونا نزور  قبر عنترة وبعض الميادين التي كان يستخدمها لممارسة بطولاته وشهامته وفروسيته, ومن مغامرته مع حبيبته  الشهيرة عبلا، وهكذا كان، وإستمتعنا كثيراً بتلك الزيارات.

وفي اليوم التالي قمنا بزيارة جزيرة فيلكا حيث تستخرج حبات اللوللو والمرجان وتستعمل في صناعة العقود والمسابح وأدوات الزينة.

وخلال النصف الأول من سنة 1975 يوم أطلّت بشائر التأزم والتشنج في الأجواء والعلاقات بين الأفرقاء أطلّ علينا وزير  خارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح وقام بجولات مكوكية على الزعامات والمقرات والمسؤولين، داعياً إلى الحفاظ على لبنان وطناً للأخوة والمحبة والتلاقي..

لكن الأمور إتجهت نحو الأسوء وإندلعت الإشتباكات المسلجة والجولات فوصف الشيخ صباح الأحمد ما يجري وكانه حقل للصابون إنزلق إليه الجميع فتقاتل الجميع مع الجميع ودون إمكانية لإستعمال كوابح او ضوابط.. ودعا  للعودة الى العقل والمنطق وإلى إستئناف الحوار  فكان وسيط الخير والأخ الصدوق، ولكن وساطته لم تحقق أي نتائح إيجابية وإستمرت الجولات: جولات قتال ووقف إطلاق النار، تم إستئنافه.

ودفع الوطن الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي بأنه "أكثر من وطن".. "إنه رسالة لتعايش الأديان والقيم والحضارات ولمحاولة صهرها في بوتقة القيم  السامية".

وكان ما كان ودفع الوطن الرسالة أبهظ الأثمان.. وما زال يدفع.. ويدفع.. ومكره أخاك في النهاية، لا بطل.

وفي الكلمة التي أذاعها الزعيم الوطني الأستاذ وليد جنبلاط في رثاء أمير دولة الكويت الراحل تابعنا وأدركنا كيف حافظ هو على العلاقة مع  أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد  الجابر الصباح وكيف طوّرها نحو الأفضل والأعمق والأجدى.. والحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء.

 تغمد الله صديق لبنان الكبير امير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
عزيز المتني