Advertise here

عن تكفير الزواج المدني في لبنان

25 شباط 2019 21:07:00 - آخر تحديث: 25 شباط 2019 21:09:53

لم تكن فكرة الزواج المدني في لبنان وليدة اللحظة، بل هي موضوع سجالي طويل. ففي العام 1951 تمت مناقشته للمرّة الأولى من قبل مجلس النواب ورُفض، وفي العام 1960 تظاهرت جمعيات علمانية مطالبةً بالزواج المدني، ومن ثمّ عاد وطُرح من جديد في مجلس النواب عام 1975 وقوبل بالرفض. في العام 1988 طرح المشروع رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي، فأثار جدلاً كبيراً. ومن ثم ناقش مجلس الوزراء مشروع قانون الزواج المدني ووافق عليه بأغلبية 21 صوتاً عام 1999، ولكن رئيس مجلس الوزراء حينها الشهيد رفيق الحريري لم يوقع على المشروع وبالتالي لم يتم التصديق عليه.           

فما هو الزواج المدني ولمَ كل هذا الخوف منه؟
بين مؤيّد ورافض، تساؤلات عديدة حول الزواج المدني في مجتمعاتنا. ويمكن وصفه بأنّه زواج خال من طقوس دينية. فهو عقد كباقي العقود يتمتّع بشروط شكلية وموضوعية، حيث يحتاج إلى طرفين يتمتعان بالأهلية التامة ولرضى وقبول الطرفين، وهو لا يكتمل إلا باقتران الإيجاب بالقبول، ويخضع بأحكامه إلى قوانين بلد المنشأ، ويتمّ حسب قوانين وأصول الدولة. هذا بشكل عام. أما الزواج الديني وهو النوع الشائع بين الناس، فهو أيضاً عقد بين طرفين لا يكتمل إلا باقتران الإيجاب بالقبول ويخضع بأحكامه لشرع الديانة التي تمّ عليها عقد هذا الزواج. إذاً من هذين التعريفين نرى أنّ الزواج المدني، كعقد، والزواج الديني لا يختلفان، أما الاختلاف فيكمن بالمفاعيل والأحكام... وغالباَ ما يتم الزواج المدني بين شخصين لم يجمعهما دين واحد، وتتم مراسمه بحضور ممثّل عن البلدية أو بإشرافها. كما وأنّه حرّ من كل قيد إلا القانون. والجدير بالذكر أنّ الزواج المدني يساوي بين الزوجين في الإنفاق كما يعطي حقّ الطلاق للزوج وللزوجة معاً. أمّا الزواج الديني يتم عقده ومباركته بحضور رجل دين حيث يتمتع بقدسية عالية.                                                        

وتكاد تجمع أغلبية الدول العربية - ما عدا تونس - على إلزامية اتّباع الزواج الديني كونها دولاً غير منفصلة عن الدّين. إنّ أكثر ما يواجهه الزواج المدني بعد رجال الدين هو الاعتقاد السائد أنّ من يتزوج مدنياً يتخلّى عن دينه، فلأجل ذلك، وبعد أن توجهت نية وزيرة الداخلية ريا الحسن إلى فتح باب الحوار في ملف الزواج المدني مع الهيئات والمرجعيات المختصّة، قوبلت بردود فعل سلبيّة من قبل رجال الدين، الذين يعتبرون أن كل زواج خارج نطاق الدين هو كفر وإلحاد. فجاء الردّ سريعاً من دار الإفتاء بإعلان الشيخ عبد اللطيف دريان، مفتي لبنان، الرفض المطلق للمشروع كونه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية. وبدورها، رفضت الكنيسة دعم الزواج المدني المطلق وفسرت ذلك بمناقضته مفهوم سرّ الزواج كنسياً ولاهوتياً. غير أن شريحة كبيرة في لبنان كانت من مؤيدي هذا الزواج.                                          

فالإشكاليّة ليست في إن كان الزواج المدني يتعارض مع الدين الإسلامي أو المسيحي، بل تكمن في أهمية تقديس الحرية الفردية في مجتمعنا هذا، وفي ظلّ وجود 16 قانوناً للأحوال الشخصية في لبنان المهيمنة على قرارات شريحة كبيرة من المواطنين. فلا يمكن للحرية أن تتحقق في أي بلد إلا إذا احترم فيه الرأي المعارض للرأي المختلف عنه. فحرية المعتقد في كل الاتفاقيات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنظمة حقوق الإنسان تكرّس الحرية الفردية. أين نحن من هذه الحرية وأين دور الدولة في حماية حقوق وحريات الجميع؟.

وإن كانت مسألة الزواج المدني هي مسألة مبدئية، فلمَ انفصام السلطة في لبنان؟ فالمفارقة أن في بلدنا هذا يُسمح بتسجيل الزواج المدني الذي يحصل في الخارج كقبرص أو اليونان، لكنه ليس من المسموح للطرفين أن يتزوجا مدنياً في لبنان. بين هذه السطور تقبع الطائفية السياسية، ولا يمكن إلغاؤها إلا بمفاعيل وأولويات أولها حرية الاختيار في الزواج وإنشاء مجلس شيوخ لحفظ التوازنات الطائفية في لبنان. كما وأنه اقتصادياً، لبنان يخسر بعدم الموافقة على الزواج المدني، أما تجارياً فهناك طبقة دينية مستفيدة بشكل هائل. لم يكن يوماً الدين سبباً لخراب بلد ومجتمع برمتّه، بل الطائفية والتطرف اللذان غزيا العالم هما حجرا الأساس في هدم العلاقات الإنسانية وفرز الناس على أساس مذهبي. فلمَ تكفير الحريات الفردية!                            

 واللافت أنّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط دخل على الخط معبّراً عن دعمه الكامل للزواج المدني حيث قال: "هل بالإمكان أن ندلي برأينا دون التعرّض للتكفير حول الزواج المدني الاختياري ولقانون أحوال شخصي مدني وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين". فهو على خطى والده الشهيد المعلم كمال بك جنبلاط، سائر، الذي تزوج مدنياً في سويسرا وسجّل هذا الزواج في لبنان عام 1948، والذي يعتبر الزواج المدني الطريق السليم لإلغاء الطائفية. ويرى الشهيد أنّ البلاد التي تعتمد الطائفية السياسية ستكون على الدوام 18 لبناناً "لا لبنان واحد".

هذا الموضوع كان وما زال باب جدل واسع وساحة معركة بين المؤيدين ورجال الدين، وبين فئات المجتمع ككل. فآن الأوان لإقرار قانون أحوال شخصية موحّد يساوي بين جميع الأفراد لكي يكون هناك شعب واحد.

 وأخيراً، ومن المؤكّد أنّ الزواج المدني هو بوابة للدولة المدنية التي يناضل من أجلها لبنان، والذي ما زال يقبع في أدراج مجلس النواب.