Advertise here

كمال جنبلاط: مواقفه من البيئة ومكافحة التلوث

25 أيلول 2020 11:24:21 - آخر تحديث: 25 أيلول 2020 11:24:27

تستمر رابطة اصدقاء كمال جنبلاط  في نشر سلسلة من الابحاث والدراسات الكترونياً لتشكّل مادة توثيقية بمتناول أجيال من الشباب لم يتسنّ لها مواكبة نضال المعلم الشهيد كمال جنبلاط، وتناولت في الحلقة الحادية عشرة، "البيئة ومكافحة التلوث".

كمال جنبلاط وزيراً كان ام نائباً ام قائداً سياسياً هو هو رؤية مستقبلية اصلاحية،  ونضال دائم من اجل الخير العام، من اجل الانسان ، وضمان عيش كريم له وللمجتمع. مثالي في تطلعاته، وواقعي وعملي في مطالباته. يرسم الفكرة، ثم يجسّدها مشروعاً ويسعى الى تحقيقها. حضور دائم  في جميع المجالات والحقول، في المبادئ والافكار، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، في الطب والشعر والفلسفة والادب. كمال جنبلاط كان كل هذا، ولكنه قبل اي شيء آخر، كان صديقاً للطبيعة وللبيئة. فمنذ نشأته عشق الطبيعة وتغنى بها، وكان يلجأ اليها كلما اتيحت له الفرصة لذلك. فكانت له صومعاته سواء في محيط بلدته المختارة او في سبلين. يقصدها وينفرد فيها للتأمل. كما كان له نظام حياة خاص مرتبط بالطبيعة وبما تنتجه، حريص شديد الحرص على البيئة ونظافتها، وداعية متشدد في ضرورة حمايتها، وفي مكافحة التلوث بمختلف اشكاله.
رأى كمال جنبلاط في الطبيعة مثالاً للنظافة المطلقة وللصحة، ودعا الجميع لضرورة العودة الى الطبيعة، كما طالب بإصرار بضرورة المحافظة على صفائها ونقائها وحمايتها من مختلف  اشكال التلوث التي اعتبرها بالغة الضرر على حاضر البشرية ومستقبلها. واعتبر ان الطبيعة هي المسؤولة عن توفير السعادة للانسان اذا عرف كيف يتعاطى معها ويحافظ على نقاوتها وجمالها.

فماذا عن مواقفه من الطبيعة والبيئة ومكافحة التلوث لحماية البيئة؟

في كتابه "ادب الحياة" خصص كمال جنبلاط فصلاً اعطاه عنوان: "آدب الانسان بالنسبة للطبيعة الخارجية" ومما جاء فيه قوله:
"ترتفع الضرورة الملحة في عصرنا لتحقيق مثل هذا الادب في معاطاتنا مع الطبيعة الخارجية، لان الانسان اليوم خرج عن المألوف والمعقول والطبيعي في العديد من الامور، واخذ يستصنع بيئته دون ان ينظر بدقة الى حقيقة تكوّن هذه البيئة، وكيف انها تلتزم هي ايضاً بتفاعل دائم لأزواج متعددة من الاضداد، وكيف انها اوجدت لذاتها انظمة خاصة لتحويل جميع الافرازات والنفايات الى عناصر جديدة ومواد خام اولية تدخل في صنع وتغذية النبات والحيوان اللذين يمتصانها في حركة دائبة ومتصلة لا تتوقف في فعلها." (ص. 139)

ونبّه كمال جنبلاط من انه: " كان على الانسان المعاصر ان يحترم نظام الطبيعة وسننها في تكوين كل حركة وكل حياة من تفاعل الاضداد. لا ان يسعى الى اهمال نشاطاتها الصامتة، وان يحاول تقويضها وهدمها، او ان يباشر بواسطة صناعاته  وادويته الزراعية السامة مثلا بإبادة الضد الذي يقابله ضد يحد من انتشاره في البيئة المحيطة بالانسان." (ص.140)
وفي مكان آخر من الفصل (ص. 146) نقرأ له: "الف سلام وذكرى طيبة على تلك الايام التي لم تكن فيها المغروسات والمزروعات ترش بهذه المواد السامة القاتلة لكل شيء تقريباً سوى جراثيم الاوبئة والامراض التي تحتجب ثم تظهر اقوى فأقوى بأضعاف في الواقع وفي الحقيقة... كان لبنان جنّة الطيور والحيوانات من جميع الاصناف. وكان كل صنف يأخذ نصيبه من العيش من الخضار والثمار. وكنا نأكل التفاح والعنب والليمون والمشمش .... بدون رشها بالمبيدات الحشرية المسمّة. كانت الدنيا بهية فيها البهجة والفرح والبحبوحة والنظافة من هذا الاتساخ السام الذي ابتدعته صناعة الكيميائيات الحديثة على غير هدى او دراسة تحليلية سليمة ودقيقة لنتائجه على دورة الحياة النباتية والحيوانية وعلى الانسان".

وفي الصفحة 117 من كتابه "ادب الحياة"، كان اكثر صراحة في التنبيه من مخاطر التلوث على  الانسان، ومنها نقرأ: "كذلك تلوث السموم المستخدمة كمبيدات او اسمدة مياه الينابيع والانهر ومصادرها في اعماق الارض. ومن خلال مياه الري تنتقل هذه السموم من الحشائش والبذور الى اجساد الابقار والاغنام وحليبها. ثم تتركز بواسطة شرب الحليب في اجساد الاطفال بعد  ولادتهم، وترتفع نسبة هذا التجمع المسم في الكبد، هذه الآلة الدقيقة جداً في عملها، ولها شأن عظيم في حياة الانسان. كما ان بعض هذه المبيدات تنتقل بالوراثة من اجساد الاباء والامهات الى اجساد اولادهم. وهكذا يلحق التلويث السلالة البشرية بأسرها."

وفي الصفحة 97 من كتابه "تمنياتي لانسان الغد"، خاطب كمال جنبلاط الناس قائلاً: "كما تكون البيئة تشعرون وتفعلون، وكما تفكرون تكونون. فتنقية مياه الانهار مما يتسرب اليها من سموم ومن مواد لمكافحة امراض المزروعات والمغروسات هي بحد ذاتها سموم اكثر ضرراً. كذلك مياه البحار، والهواء المحيط، والفواكه والخضار مما ترش به من سموم اخرى لا تقل خطراً على الطبيعة وعلى الانسان من سموم نفايات المصانع والمعامل ووسائل النقل."

وحدد كمال جنبلاط مصادر تسمم الطبيعة وتلوثها ومن اهمها :
•    "دخان المصانع والمعامل والغازات المنبعثة من مداخنها في الهواء.
•    الدخان والغازات المنبعثة من محركات السيارات المتنقلة على الطرقات.
•    السوائل المعدنية والنفايات الناجمة عن عمل المصانع.
•    الادوية والمبيدات الزراعية.
•    فعل الصيد في تهشيم الطبيعة وفي تقتيل الحيوان والطيور الذي يخربط نظام الاضداد الضروري لتنظيم الحياة على الارض.
•    النفايات الذرية الآخذة بالتكاثر وما يرافقها من زيادة مضطردة للاشعاع الذري المميت لكل حياة.
•    التلوث البصري الناتج عن الاضواء الكهربائية المتنوعة الالوان، وانوار السيارات المارة في الليل، وحتى في النهار. وكلها لها اثر كبير في الضرر على حياتنا الجسدية  والعقلية.
•    التلوث السمعي الناتج عن الضجيج القائم باستمرار في المعامل والشوارع والطرقات والملاعب والملاهي، فيكاد الانسان يتهدّم في هذا الضجيج، وتتهيج اعصابه وتتعب حواسه ويرهق فكره وجسده."
(كتاب ادب الحياة ص. 152 - 161)
 
وعندما تسلّموزارة الداخلية (بين العامين 1961 و 1964)، حاول كمال جنبلاط تحويل آرائهالى مشاريع تطبيقية لمكافحة التلوثوحماية البيئة، ولكنه ترك الوزارة قبل ان تستجيب الحكومة لمطالبه بتقديمها الاستقالة. وهذا ابرز ما ورد في مشروع القانون الذي أعدّه تحت عنوان "قانون نظافة الشارع":

" – يمنع طرح انقاض البنايات واتربة الحفريات والحجارة وسواها، والنفايات والفضلات الزراعية والصناعية وهياكل السيارات المعطلة وانقاضها على جوانب الشوارع والساحات العامة والطرقات واقنيتها، او في مجاريالمياه وضفافها، وعلى الاملاك العامة او البلدية.
•    يمنع طرح جميع المواد المشار اليها في المادة الاولى على عقارات خاصة متاخمة للطرقات الدولية، او ضمن المناطق السياحية والسكنية.
•    يمنع تفريغ مياه المجارير او المياه المبتذلة في مجاري المياه، او على شاطئ البحر، او ضمن حرم الينابيع والانهار.
•    يمنع لصق المنشورات او الاعلانات والصور على الاسوار والجدران القائمة على جوانب الطرقات والساحات واعمدة الهاتف والكهرباء وجذوع الاشجار والاشارات الضوئية واشارات السير ولوحات اسماء المدن والقرى والشوارع.
•    يمنع على الطرقات العامة والساحات طرح فضلات المنازل والمحلات والمطاعم، والاوراق والاكياس وقشور الفاكهة والعلب الفارغة من اي نوع كانت.
•    تخصص للنفايات والفضلات الزراعية والصناعية ومعالجتها اماكن تحددها البلديات او القائمقام بموافقة المحافظ بعد استطلاع رأي دوائر التنظيم المدني.
•    على البلديات، خلال ستة اشهر من تاريخ نشر هذا القانون تجهيز دوائرها  بأوعية فنية خاصة محكمة الاغلاق لتجميع النفايات قبل نقلها الى اماكن المعالجة.
•    يعاقب كل من يخالف هذه التدابير بالغرامة المادية او بالسجن وفقاً لحجم المخالفة ومضارها."

ومرّت الايام، وتبدلت العهود والحكومات، وما زال الوضع ينتظر المنقذ!!
ومن كتابه "كن طبيب نفسك: العلاج بعشب القمح" في الصفحة 47 ننقل تحذيره من مخاطر تلوث الهواء على صحة الانسان.

"تلوث الهواء في مجتمعاتنا المتمدنة قد عدّل او عطّل فعالية الاوكسيجين الموجود في الهواء لدرجة ان التنفس لم يعد يحقق النتائج المعيدة للشباب، والتي هي ضرورية للجسد في محيط بيئي يكون اكثر توافقاً مع الطبيعة.

الاشجار والنباتات في مدننا قد اتلفت ولم يعد الهواء ينقّى بواسطة تلك النباتات كما يجب. تلويث الهواء هو خطيئة لا تغتفر من جراء الغازات والدخان المتصاعد من المعامل والسيارات والمنازل. كل شجرة، كل نبتة، كل حيوان، وكل كائن بشري  اخذ يشعر بهذا التهديد الخطير لحياته. فالهواء هو الوقود لتوليد شرارة الحياة، فاذا تلوث الهواء، تزايدت الاضطرابات النفسية عند الناس لأن الدماغ يكون قد تعثر نشاطه، فيما الهواء النقي يجعل افكارنا نقية."