Advertise here

التصعيد الأميركي السياسي والعسكري وانعكاساته على المنطقة

24 أيلول 2020 14:33:09 - آخر تحديث: 24 أيلول 2020 14:33:10

 ثلاثة معطيات تحمل أوزاناً كبيرة حصلت في الأيام القليلة الماضية، ولها انعكاسات كبيرة على استقرار المنطقة، حيث وضع قرار استمرار فرض العقوبات الأميركية – الأممية على إيران بناءً على مفاهيم "السناب باك"، الاتحاد الأوروبي، وللمرة الأولى، أمام حقيقة اختبار وزنه، وقدرته، وعجزه. وعلى الرغم من المواقف الرافضة التي أطلقها (الاتحاد + بريطانيا) تجاه تلك العقوبات، وإعلان تمسّكه بالاتفاق النووي، فقد ضاعف ذلك التصعيد الأميركي لفرض هذه العقوبات بشكلٍ أحادي وأكثر قساوةً وحدّة، بغضّ النظر عن الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي.

وترافق هذا التصعيد السياسي مع دفع المجموعة الهجومية البحرية الأميركية للانضمام إلى الأسطول الخامس في الخليج العربي، حيث عبرت حاملة الطائرات (نيمتس) مع قوارب حاملة للصواريخ مضيق هرمز في عملية استعراضية هجومية معلنة. إضافةً إلى ذلك، ولأول مرة، يستخدم الرئيس ترامب القوة الفضائية الأميركية (الفرع السادس) في الجيش الأميركي، لتعزيز القوة الأميركية في قطر، والبحرين، ودول الخليج العربي عموماً، وهذه القوة هي واحدة من أهم الوحدات في القوة الفضائية.

التلازم ما بين التصعيدين السياسي والعسكري ليس استعراضياً، إنما له وظيفة قد تؤدي إلى رد فعلٍ لا يطال فقط إيران، لأن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج يندرج في مواجهة الاتفاق الصيني – الإيراني أيضاً. فالاتّفاق الصيني - الإيراني يسمح لبكين ببناء وجودٍ عسكري لها في المرافئ الإيرانية المطلة على الخليج العربي.

لذلك فإن التحرّك المتناغم ما بين إدارة البيت الأبيض والبنتاغون، يعبّر عن السياسة العميقة الأميركية، بعيداً عن اهتمامات الرئيس ترامب الانتخابية، بالرغم من أن عقل ترامب لا يكف عن العمل من أجل فوزه في رئاسة الولاية الثانية، لكن تحرّك البنتاغون بانسجام كبير مع هذا الاتجاه يحمل دلالة اعمق بكثير من قضية الانتخابات.

من جهة أخرى فإن الإدارة الأميركية هي الآن في حالة استنفارٍ شامل، لأنها تلقت صفعة دبلوماسية من حلفائها الأوروبيين، في رفضهم الموافقة على تمديد العقوبات، ودفعها للتصرف بشكل منفرد، وهذا ما عزّز نسبياً الموقع الدبلوماسي المعنوي لكلٍ من موسكو وبكين بصفتهما الدولتين المشاركتين مع ايران في الاتفاق النووي. فعندما تصبح الإدارة الأميركية منفردة في صياغة سياستها بمعزل ومواجهة حلفائها الأوروبيين من جهة، ومواجهة الصين وموسكو من جهة أخرى، يصبح استنفار القوة الأميركية هو الرد، لذلك ثمة استنفار للقوة الأميركية. وهذا الاستنفار يستهدف هونغ كونغ، ويستهدف الممر الصيني الجنوبي، ويستهدف روسيا في أكثر من مكان سواءً في بيلاروسيا، أو في شرق المتوسط وليبيا، كما يستهدف طهران.

التجارب السابقة تدل على أنه عندما تنفرد أميركا في صياغة مشروع عالمي، وتستنفر قوتها، يكون الأمر على درجة من الخطورة، وبالتالي فإن مؤسّسات الدولة الأميركية العميقة باتت مجتمعة اليوم خلف هذا الاتجاه، خاصةً وأنهم يتحدثون الآن عن إنشاء محورٍ جديد في جنوب شرق آسيا مع استراليا، ونيوزيلاندا، والهند، لمواجهة التوسّع الصيني. فالدعوة للتكتل الجديد، ومعالجة الشؤون الدولية بهذه الدرجة من الاستنفار السياسي، والدبلوماسي، والعسكري، يجبر جميع مواقع صناعة القرار الأميركي على الاصطفاف خلف المصالح الأميركية، وتحت عنوان حماية الهيمنة الأميركية على العالم. وهذا الشعار يستخدمه ترامب بقوة وكثافة، ومن هنا تبرز خطورة ما يجري.

إزاء هذا التطور الجديد تراجعت حدة الكلام السياسي الإيرانية، وتراجعت معه العراضات العسكرية للحرس الثوري، ولم نعد نشهد أي حركة للقوارب العسكرية في بحر الخليج حول حاملات الطائرات الأميركية، بل شهدنا في اليومين السابقين عرض خدمات لإمكانية إطلاق صراح السجناء الأميركان لدى إيران، وهؤلاء السجناء ربما تطلب إيران فديةً مالية لإخراجهم دون أي مطالب سياسية، وذلك في محاولةٍ لاعتبار الأمر بأنه قضية إنسانية، وهو ما يجعلنا نعتقد بأن طهران الآن شديدة التوجس من استنفار القوة الأميركية، وبالتالي فإن طهران لن تلجأ الى التصعيد الوازن قبل نهاية الانتخابات الأميركية، مهما تلقت من ضربات وعرضت عليها شروط قاسية، كما أن الأميركي لن يتحرك عسكرياً بوجه إيران على قاعدة سلوكها السلبي في دول المنطقة، إنما لديه حسابات أخرى أكثر عمقاً، وأبعد استراتيجية، فعينُه على المارد الصيني وخطّته التوسّعية (الحزام والطريق) والتي تشكّل إيران واحدة من ممراتها.

لا بدّ من القول إن هذا التصعيد الأميركي فرض تداعيات مباشرة على المناخ الإقليمي الذي بدأ مع إعلان حملة التطبيع الإماراتية مع إسرائيل، والتي لحقت بها البحرين، حيث تجري اتصالات حثيثة لضم دول جديدة الى هذا المشروع، مثل سلطنة عُمان والسودان وغيرها من الدول، بهدف فرض هذا المسار على المملكة العربية السعودية، لما تمثّل من مركز ثقل رئيسي عربي وإسلامي، حيث لن ترتاح إسرائيل في رحلتها الانتصارية التطبيعية تلك ما لم تجبر السعودية على القبول بذلك، وبالتالي إسقاط المبادرة العربية للسلام كإطار ومرجعية تستند إلى القرارات الدولية لحلٍ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية. فرضوخ المملكة، وإسقاط المبادرة العربية، شكّلا عملية انقلابٍ، وتغيير شاملٍ، في منظومة العمل السياسي العربي، وهو ما يجعل إسرائيل الجزء الأكثر فاعلية وتأثيراً في تلك المنظومة من السعودية.

وبالتالي فإننا، وفي الوقت الذي نشهد فيه حصاراً أميركياً على إيران، نحن أمام مرحلة نشهد فيها أيضاً انكساراً سعودياً في المسار التطبيعي مع إسرائيل، وعلينا ترقب نتائج ذلك على مجمل النظام السياسي العربي ، لأن الأميركي لن يتراجع، سواءً فاز ترامب أو بايدن، عن الضغط المستمر على الرياض للرضوخ إلى السياسة التي رضخت لها الإمارات والبحرين، على اعتبار ذلك شرطاً رئيسياً لاستقرارها الداخلي، واستقرار دول الخليج العربي.

ثمة في الأفق تصعيداً ستكون فلسطين ساحته الرئيسة، وميدانه، على المستوى السياسي، والأمني، والعسكري، وليس بالضرورة أن تكون معالم هذا التصعيد مرسومةٌ ومعلومة بدقة، بحيث أن الأوضاع في لبنان أصبحت خارج السيطرة المنطقية، وسوف تدخل ساحة اللّا- سيطرة، وقد لا تستطيع القوى السياسية، مثل فرنسا، أو أوروبا، أو مصر، والسعودية، أن تلعب دوراً ما في ضبط الحالة اللبنانية التي تتجه نحو فشلٍ وانهيارٍ كارثيٍ يمثّل في أبعاده انعكاساً لفشل وانهيار المنظومة الإقليمية من طهران إلى دمشق، ومن الرياض إلى القاهرة مروراً بصنعاء، وبيروت، وبغداد، وطرابلس الغرب.