أصبح من المؤكد أن الممانعة خسرت أكثريتها البرلمانية، من دون أن يتبلور أي تموضع جديد للقوى المختلفة، كما أن المخاوف من المجهول السياسي والإفلاس المالي فرض على غالبية الأحزاب (أو الطوائف) إعادة النظر بمقارباتها السابقة، وبدا أن العقبات التي وضعت أمام المبادرة الفرنسية كخشبة خلاص وحيدة، تحمل بصمات دولة إقليمية محورية، تحاول أن تستثمر لبنان في معركتها مع القوى الدولية الكبرى.
تقول أوساط واسعة الاطلاع: انه لا يمكن اعتبار شروط الثنائي الشيعي التي تم إبلاغها للرئيس المكلف مصطفى أديب مطالب عادية عادة ما تطرح بمناسبة تشكيل حكومة جديدة، والشروط فاجأت الجميع لأنها حملت مضمونا قاسيا وخلقت مخاوف عند غالبية الأحزاب والقوى الأخرى، ذلك أن الانهيار الذي يعيشه لبنان لا وقت فيه لطرح مواضيع خلافية، لها طابع تأسيسي، خصوصا إذا جاء من الجهة الرئيسية المتهمة بالهيمنة على مقدرات الدولة، والتي تستقوي على الآخرين بالسلاح وبالعدد.
وتتابع هذه الأوساط: الأكثرية النيابية البسيطة لمحور «الممانعة» الذي يرتبط بصداقات خارجية مع ايران لم تعد قائمة بعد اول سبتمبر، وقد جاهر التيار الوطني الحر بمعارضته لتمسك أي طرف بشروط الاحتفاظ بحقيبة محددة، خصوصا المالية، وذهب رئيس التيار جبران باسيل الى حد اعتبار هذا الشرط فرضا لمثالثة مقنعة في تقاسم السلطة لا يمكن للمسيحيين القبول به. وهذا الموقف الذي اتخذه التيار مرغما من جراء تراجع شعبيته عند المسيحيين، سيؤدي حكما الى فكفكة الأكثرية النيابية الحالية، وبالتالي سيؤدي الى حصول أية حكومة تعتمد المداورة الكاملة في الحقائب وتتألف من شخصيات مستقلة على ثقة البرلمان، لكن الثنائي الشيعي واجه هذه المستجدات البرلمانية، بعصا الميثاقية، بمعنى: أن الطائفة الشيعية التي يمثلها ثنائي أمل وحزب الله لن تشارك في أي تركيبة حكومية، وبالتالي تفقد الحكومة ميثاقيتها، وهذا ما لا يسمح به دستور الدولة الذي نص على مشاركة جميع المكونات في الحكومة والبرلمان وفقا لحجم كل منها.
عصا الميثاقية التي استعملها الثنائي الشيعي ثقيلة ولا يتحملها الوضع في لبنان اليوم، لأنها قد تؤدي الى اعتماد خيارات قاتلة أخرى بدأت تظهر على السطح، منها الفيدرالية، ومنها فرض التقسيم، ومنها توضيب مشاريع الحمايات الذاتية - كما ظهر في بعض الاحتفالات تحت لافتات كشفية - خوفا من فائض القوة عند حزب الله، حيث شعرت غالبية اللبنانيين بأن هذه القوة يمكن أن تستهدفهم كما حصل عام 2008، وبالتالي فإن الرأي العام عند المسيحيين وعن المسلمين السنة والدروز خصوصا، بدا منشدا الى التعامل مع وضعية الخيارات القاسية، ولم تقنع هذا الرأي العام المعلومات الصحافية التي يتم تسريبها، والتي تحاول أن تحمل نادي رؤساء الحكومات السابقين مسؤولية رفض إعطاء وزارة المالية للثنائي الشيعي، بل ان القناعة ثابتة عند غالبية اللبنانيين بأن هذا الثنائي يحاول فرض معادلات تأسيسية جديدة، وفي طريقه يحاصر المبادرة الفرنسية التي ستفرض مشاركة المجتمعين الدولي والعربي في رعاية لبنان، الذي انهار مع الوصاية الإيرانية وحدها.
هناك ثقة عند غالبية الرأي العام بالرئيس نبيه بري للعمل على حلحلة الوضع وإخراج البلاد من المأزق، وصورته عند اللبنانيين أنه مازال يحمل عاطفة تجاه البلد، ولن ينسوا موقفه في ربيع العام 2006 عندما دعا لطاولة الحوار وكانت البلاد على شفير حرب داخلية.
الاقتراحات المطروحة للمخرج من الأزمة مقبولة ولا تمس بمكانة الطائفة الشيعية ولا بمصالح أبنائها المتضررين من الانهيار مثل باقي اللبنانيين. فطرح أن تكون وزارة المالية مع الرئيس أديب ويكون هناك وزير دولة شيعي للشؤون المالية جيد، كما أن مشاركة الثنائي الشيعي في اختيار وزير مالية من باقي الطوائف مقبولة أيضا، والأفضل أن تتكرس المداورة الكاملة والتي لا تظلم أي مكون إذا صفت النوايا.