Advertise here

اراء ومواقف ومشاريع كمال جنبلاط في اصلاح المجتمع اللبناني

10 أيلول 2020 16:35:00 - آخر تحديث: 19 أيلول 2020 05:42:28

تنشر رابطة اصدقاء كمال جنبلاط هذه السلسلة من الابحاث والدراسات الكترونياً لتشكّل مادة توثيقية بمتناول اجيال من الشباب لم يتسنّ لها مواكبة نضال المعلم الشهيد كمال جنبلاط، والاطلاع على مشاريعه الاصلاحية الشاملة في السياسة والادارة والاقتصاد والتربية  والاجتماع والصحة والقضاء والبيئة ومكافحة التلوث. وتناولت في الحلقة التاسعة الاصلاح المجتمعي.

في مقدمته لميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي سنة 1949 (ص.3-4) اعلن كمال جنبلاط:

"ازاء روح التقدم والتطور التي باتت تترادف بمعناها معنى اتصال الحياة لم يعد من شيء يجيز التخلف والتوقف. وكل مجتمع لا يصل بهذه الروح، ويقيم عليها قواعده مقضي عليه بالعزلة.

والطبيعة الحية في مراحل الصعود تعلن ارادتها الصارمة بأنه لم يعد من متّسع للمجتمع المقوقع على نفسه الاستمرار ، بل هو محكوم بالانكفاء. والمجتمع اللبناني ككل مجتمع تتقاذفه الافكار والتيارات، وسائل عمله التي يعتمدها للحياة لم تعد كافية، وهو مدعو للاندفاع الناشط لتحقيق التطور المبدع فيه. ونحن الذين نحيا هذا المجتمع حياة، ارادته من ارادتنا التي شئنا ان يأتي هذا الحزب التقدمي الاشتراكي تعبيراً صادقاً عنها."

وفي الصفحة 19 من الفصل الاول "الاتجاه الاول لمجرى التطور : الوعي والحرية" اكّد كمال جنبلاط:
"ان سلامة العنصر البشري هي اساس لبقاء ونمو الانسان وتطور الجماعة. وان احدى وظائف الدولة الاساسية ان تتدبر ما به تحقق المحافظة على سلامة النسل وازدياده وحيوية العنصر البشري  وقوته ونبوغه المتنوع. وذلك من خلال:

نظرة جديدة للعناية الصحية باعتبارها اساساً لحيوية المجتمع
تقوية فكرة الاسرة بتشجيع الزواج الباكر واحترام قدسيته ورعاية الامومة والطفولة وشرط الزواج بوثيقة صحية.
تهيئة الاجواء الملائمة للكائن البشري ونموه وتفتح قدراته، باعتماد الاساليب والعادات الاجتماعية التي تتناسب مع اغشيته ونفسيته.

تثقيف الشعب سياسياً واجتماعياً بغية التوصل الى وعي سليم يسمح بتنمية عادات واخلاق لدى الفرد والمجتمع  يزول معها الاكراه الخارجي ويتقوى الالزام الداخلي ويتسع مدى الحرية."

وفي تجسيد عملي لهذه الاراء والطروحات الاجتماعية حرص كمال جنبلاط ان يخصص في ميثاق الحزب فصلاً للمجتمع (ص. 74 - 76) ، يتضمن رؤية شاملة لما يجب ان يتحقق لقيام مجتمع لبناني سليم، منفتح على المعرفة والتقدم والتطور.
وهذه ابرز النقاط الواردة في هذا الشأن:       

"1- تقوم فكرة الاسرة بتشجيع وتمكين الزواج الباكر واحترام قدسيته ووحدته ورعاية الامومة والطفولة، وربط الزواج بوثيقة صحية للطرفين.

2- صهر  الشعب في وحدةاجتماعية تامة، واعتبار المجتمع كلا عضوياً حيويته في تنوعه، لكل عمل فيه كرامته ، وايقاظ الشعور بالتضامن والمسؤولية الاجتماعيتين.

3- اعتماد نظام الخدمة الاجتماعية الاجبارية.

4- اعادة التوازن بين سكن القرية والمدينة، والمحافظة على قدسية ارتباط الانسان بالارض.

5- اعتماد وتنفيذ المبدأ القائل: يكون الوطن بلداً سعيداً عندما نحقق للمواطن وللمواطنة الحق في التعلم والعمل وفي بناء الاسرة، والتأمين على الغد من الشيخوخة والتعطل عن العمل والمرض والتعب، وتأمين ضمان اجتماعي للجميع.

وبعد انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية سنة 1958، بادر كمال جنبلاط الى رفع مذكرة مفصلة للرئيس تتناول "اسس بناء الدولة وتنظيم شؤونها في مختلف المجالات، ومن بينها الاصلاح الاجتماعي (31/10/1958)، الذي قدّم له بما يلي:
"لا بد لكل برنامج حكومي اعماري من ان يأخذ في الاعتبار ببعض النواحي االاجتماعية الاساسية لحياة المواطن. فالمطالب الاجتماعية اضحت موجة شاملة وعارمة لان هذه المطالب على احقيتها وضرورتها، لم يفكر احد من الحكام السابقين بتلبيتها. والغريب والمستهجن اننا لم ندرك بعد ان لبنان قد تعدى في واقعه ومصيره ومرتجاه المجتمع والاقتصاد التجاري رغم ما تدرّه التجارة على البلد من ارباح، وانه علينا ان ننتقل الى مجتمع واقتصاد اعمال زراعية وحرفية وصناعية. وانه علينا ان نعمل على ان ينمو ذلك ويتطور بسرعة لكي نؤمن لشريحة واسعة من اللبنانيين العمل والعيش الكريم."
واقترح، لتحقيق هذه الاهداف اعتماد مجموعة تدابير هذه اهمها:
"1- اعتماد رجال صالحين اقوياء ووطنيين لمراكز الادارة والتوجيه الحساسة في الدولة.
2- اعتماد وتنفيذ  مشروع العمل الاجتماعي واليدوي الاجباري للجميع في سن معينة، واقرانه بالخدمة العسكرية الالزامية للتمكن من تنشئة المواطن والخروج من ذهنية التخاذل.
3- تحقيق نوع من المساواة الوظيفية في المعاشات بين القطاعين العام والخاص، ووقف الاثراء الفاضح والتهرب من دفع الضرائب المتعلقة بالدخل، والتشدد في مكافحة هذا التهرب ، بعد تبديل الاجهزة المكلفة باستيفائها، والعمل على منع الاغنياء من تهريب اموالهم الى الخارج.
4- استكمال الاعمال الانسانية الاساسية بخطة خمسيّة تستهدف بشكل خاص وضع تشريع جديد للصناعة اللبنانية يقضي بتوزعها جغرافياً على كافة المناطق، واعفائها من الضرائب لفترة معينة، وتأمين المحروقات لها بأسعار مخفضة، لخلق فرص عمل للمواطنين في كل المناطق. وهذا يستدعي انشاء وزارة للصناعة.
5- اصدار قانون ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر، ويحل ازمة السكن لأصحاب الدخل المحدود.
6- تنفيذ المشاريع المجمدة لالزامية التعليم ومجانيته في المرحلتين الابتدائية والثانوية واعداد معلمين اكفاء من خلال التوسع في انشاء دور للمعلمين، وتعديل مناهج التعليم العادي والمهني، وتوحيد الكتاب المدرسي.
7- تعديل قانون العمل بحيث يضمن سرعة الفصل في القضايا العمالية، وتنظيم العمل النقابي، وانشاء تعاونيات استهلاكية للعمال والموظفين .
8- توسيع مدى ومجالات العمل للسيدات في الصحة والشؤون الاجتماعية  والمالية والقضائية والتعليمية لأن المرأة اكثر تجرداً بشكل عام من الرجل.
9- انشاء مصلحة حكومية تتولى تصدير الفائض من الانتاج الزراعي لتحسين الاحوال المعيشية للمزارعين."
(المصدر: المذكرة الاصلاحية التي رفعها كمال جنبلاط للرئيس فؤاد شهاب بتاريخ 31/10/1958) – وردت في كتاب "من اجل المستقبل ص. 62"
وفي محاضرة له سنة 1974 نشرتها جريدة الانباء بتاريخ 3/8/1974 ، بموضوع "الديموقراطية: احترام القانون والدستور والاخلاق" قال المعلم كمال جنبلاط:
"النظام الديموقراطي الذي لا يحترم القانون والدستور والاخلاق لا يمكن ان يكون ديموقراطياً فما يحدث في بلادنا ، كل يوم وكل اسبوع، ولا يحاسب عليه النائب او الوزير او الموظف، وعدم تحسيس الرأي العام عندنا بضرورة احترام القانون والدستور والاخلاق في ممارسة الشخصية العامة لوظيفتها، وهذا ما يتناقض كلياً مع مفهوم الديموقراطية ... واذا اعتبرنا الوظائف وظائف اجتماعية، يجب التشدد في الاختيار ، وانتقاء الاخيار لها، وان يكون التوجه صارماً لمنع هبوط المستوى، فالمجتمع شيء نوعي لا عددي، يقوم على العلاقات القائمة بين مكوناته، وعلى قدر ما تكون هذه العلاقات سليمة يكون عندنا مجتمع سليم."
(من كتابه "الانسان والحضارة "ص.75)
وفي مكان آخر من المحاضرة، تحدث كمال جنبلاط عن "ان النظام القائم في لبنان لا يضمن المساواة الاجتماعية والقانونية، ويميز بين الافراد والطوائف في التعامل وفي التوظيف. لذا نحن بحاجة ان نعمل على تطوير الانظمة في اتجاه المفهوم الديموقراطي الصحيح الذي يقوم على المساواة الاجتماعية والقانونية وتكافؤ الفرص امام الجميع على السواء. (ص. 89)"
فهل من يفكر اليوم بتصحيح هذا الخلل المزمن، والعبور الى نظام سليم بكل المقاييس ينقل لبنان من فدرالية الطوائف الى دولة المدنية والمساواة؟