Advertise here

لبنان... وأزمة الأعراف

18 أيلول 2020 17:55:32

منذ قيام دولة لبنان الكبير المتعدّد بطوائفه، والغنيّ بمذاهبه، وهو يعاني من أزمات ثقة ومشاريع متناقضة لمكوّناته المتبعثرة بين الشرق والغرب. 

فبعد الاستقلال الذي ناله عام 1943، بدأت مشاكل الحكم تظهر في لبنان وتتراكم واحدة تلو الأخرى، ودائماً تحت مسمّى "الميثاقية" التي كانت وما زالت العقدة الأكبر.

مرّ لبنان خلال المئة عام هذه في جميع الظروف، فعاش الإنتداب، وقام بالثورات، البيضاء منها والحمراء، وبدّل رؤساء، وخاض حرباً أهليّة كلّفت الكثير من الأرواح، والدماء، والدمار، لجميع الأطراف، فنتج عنها اتفاقاً وطنيّاً ليجمع الفرقاء، ويلغي الطائفية السياسية. 

لا الاتّفاق طُبّق، ولا الطائفية أُلغيت، بل شُرّعت بدعة قديمة متجدّدة لا تدخل في النصوص بل في النفوس، وهي الأعراف.

إن الدستور اللبناني الذي لم يأتِ على ذكر الطائفية السياسية إلّا في المادة 95 ليحدّد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب، وفي وظائف الدرجة الأولى فقط، حلّت الأعراف بديلاً عنه. وما كان موضع شكٍ ونقاشٍ واعتراضٍ في اتفاق الطائف كرّسه اتّفاق الدوحة بعد السابع من أيّار. كلّ هذه البدع السياسية، من حكومة الوحدة الوطنية التي لا تتشكّل إلّا والثلث المعطّل مضموناً لإسقاطها ساعة يريدون، أو التلويح به عند أي قرارٍ مفصلي لا يرضيهم، مروراً بعرف جديد حول وزارة المال للتمسّك بالتوقيع الثالث، وتجميد كل قرارٍ لا يناسبهم. ثم يؤخر رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة لحين قبوله برئيس حكومة، ويتوقّف تشكيل الحكومة لأن رئيسها المكلّف لم يأخذ بعين الاعتبار الأسماء المقترحة من الكتل النيابية في استشاراتٍ حدّدها القانون اللبناني بأنها غير ملزمة، إلّا أن العرف في لبنان أقوى من الدستور، خصوصاً إن طَبّق العرف من حلفَ على تطبيق الدستور وصونه. 


فعن أي دولة نتكلّم إذاً، كان التعطيل عنوانها تحت بدع الأعراف؟ إن الأعراف في لبنان، وما أكثرها، وما أسرع اختراعها، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الطبق السياسي اليومي. والمشكلة باتت أنه عند كل منعطف دولي نغرق أكثر وأكثر، والحلول لأزمات الأعراف تكون بابتكار أعراف جديدة ومعقّدة أكثر من سابقاتها. فهل هناك من يدفع لبنان لمؤتمرٍ تأسيسي لنزع الأعراف وتثبيتها بالقوانين؟

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".