كتب سركيس نعّوم في النهار:
هل سيشجع اتفاقا التطبيع اللذان وقعتهما دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل في اليومين الماضيين في البيت الأبيض وبرعاية الرئيس ترامب الدول الأربع الأخرى في "مجلس التعاون الخليجي" على الإقدام على خطوة مماثلة في وقت قريب أو متوسط؟ هذا السؤال تطرحه دول عربية عدّة لم توقّع سلاماً مع إسرائيل مثلما فعلت مصر أنور السادات ثم أردن الملك حسين. كما يطرحه شعب فلسطين الذي هُجّر من أرضه على مرحلتين الأولى عام 1948 والثانية عام 1967، والذي يتعرّض القسم الذي استطاع البقاء في بلاده بعدما صار اسمها دولة إسرائيل الى الكثير من المظالم. كما يتعرّض القسم الآخر المقيم في ضفتها الغربية المحتلة الى ظلم أكبر والى تهديد إسرائيلي بضمها ولا سيما بعدما أعطتها أميركا ترامب "رخصة" للقيام بذلك.
طبعاً يرجّح الكثيرون في المنطقة في معرض جوابهم عن السؤال المطروح أن تحذو بقية دول "مجلس التعاون" حذو الإمارات والبحرين، لأنها كلها تخشى خطر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عليها بعدما نفّذت مشروعها التوسّعي في الشرق الأوسط بنجاح وإن غير نهائي حتى الآن الهادف الى تأسيس خلافة إسلامية ولكن بقيادة شيعية كما يظن قادتها وزعماؤها.
إلا أن لمتابعٍ أميركي جدّي رأياً آخر مختلفاً وإن على نحو غير جذري عن الرأي المذكور أعلاه لدول عربية عدّة. وقد عبّر عنه في رسالة إلكترونية إرسلها الى "الموقف هذا النهار" تضمّنت الآتي: "لا أحد من الدول الأربع الأخرى العضو في "مجلس التعاون" وفي مقدمها المملكة العربية السعودية سيُقدم في المستقبل القريب على الأقل على التطبيع الرسمي والإحتفالي مع إسرائيل مماثلة للاحتفالية الأخيرة للإمارات والبحرين في البيت الأبيض. فالكويت لا تحتمل أن تُقدم على خطوة مماثلة لأنها مجاورة جغرافياً لإيران ولجنوب العراق أيضاً الذي لها فيه وجود شعبي وفصائلي مؤيّد لها. كما لأن شعبها متنوّع مذهبياً (مسلمون سنّة وشيعة) ولأن الإسلامية الأصولية السنّية والشيعية موجودة فيها أيضاً. وقد دفع هذا الأمر قيادتها الى انتهاج سياسة حكيمة حرصاً على دوام استقرارها ووحدتها الوطنية. ودولة قطر يستحيل أن تطبّع علاقاتها رسمياً مع إسرائيل سواء بمكتب ديبلوماسي أو بسفارة أولاً لأنها لا تحتاج الى من يحميها من تدخّل إيران في شؤونها. إذ أن الولايات المتحدة تحميها من إيران وغيرها بواسطة نحو عشرة آلاف من جنودها يقيمون على أرضها وفي قاعدة عسكرية جوية كبيرة أو ربما الأكبر في المنطقة تسمّى "قاعدة عيديد". فضلاً عن أن الخلاف الذي نشب بين قطر من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى، والذي أدى الى قطيعة بينهما والى تبادل حملات إعلامية قاسية، فضلاً عن أنه دفعها الى إقامة علاقات جيّدة مع إيران التي صارت "بعبع" الخليج بل الدول العربية كلها و"بعبع" لإسرائيل أيضاً. علماً أنها تحظى بدعم سياسي كبير من تركيا الإسلامية بزعامة رجب طيب أردوغان وأيضاً بدعم عسكري رمزي لا يمكن اعتباره موازياً للدعم والحماية العسكرييْن اللذين توفّرهما أميركا. وعلماً أيضاً أنها تحظى بدعم "جماعة الأخوان المسلمين" المنتشرة سراً في عدد لا بأس به من الدول العربية وفي العالم الإسلامي والعالم الأوسع. لا بل أنها (قطر) صارت مركزاً عربياً لها بعد انقلاب مصر عليها شعباً وعسكراً وبعد معاداة دول "مجلس التعاون" لها بعدد من دوله. وعلماً أخيراً أن علاقتها بإسرائيل جيدة ولكنها تمارسها بشيء من التحفّظ. أما سلطنة عُمان فهي لن تنضم أيضاً الى مجموعة المطبّعين مع إسرائيل رغم علاقتها الجيدة مع كل الأطراف في المنطقة بما في ذلك الأخيرة. في النهاية هناك انطباع أن المملكة العربية السعودية أعطت البحرين ضوءاً أخضر أو بالأحرى سمحت لها، وهي في حمايتها السياسية والعسكرية والأمنية إضافة الى حماية أميركا لها، بالتطبيع مع إسرائيل وتبادل التمثيل الديبلوماسي معها وهدفها من ذلك اختبار موقف الشعب السعودي من خطوة كهذه قبل اتخاذ قرار بالإقدام على مثلها تجاوباً مع ضغوط أميركا أو بالأحرى مع إغراءاتها. علماً أن خطر إيران عليها مباشرة ومن خلال حوثيي اليمن وخوفها منه ومنها دفعها الى ما يمكن اعتباره تنسيقاً خجولاً وغير رسمي مع إسرائيل في مجال الأمن وربما غيره. في أي حال أنا لا أتوقّع أي خطوة سعودية في هذا الاتجاه قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأيضاً قبل أن تقدّم إسرائيل عرضاً للفلسطينيين لا يمكن أن يرفضوه، كما يمكن أن تحاول السعودية الضغط عليهم لقبوله. علماً أن خطوة كهذه تبقى غير محتملة ما دام نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل. لذلك لا بد من انتظار انتهاء ولاية نتنياهو التي اتفق عليها مع منافسه بني غانتس زعيم حزب "كحول لافان" وحلول الأخير مكانه في هذا الموقع. ويُقال أنه أقل سوءاً من نتنياهو. كما لا بد من انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ أن فوز بايدن فيها يعطي أملاً في أمرٍ كالمشار إليه. في حين أن فوز ترامب بولاية ثانية سيدفعه الى متابعة سياسة الضغط على الفلسطينيين وسياسة إشعار العرب بحاجتهم إليه وخصوصاً في الخليج، كما سياسة تصعيد الضغط على إيران إذا لم تتجاوب مع دعوته إياها للحوار معه وبشروطه".